الجمعة 2016/11/04

نادي الفتوة.. من سرق الأزرق؟؟

كان يغلي حينها على وقع ضجيج الحناجر كغلي الزيت الساخن في المرجل العريض على نغمات صرخات الحرية ناشداً التغيير.. أرضيتُه تُردد؛ فليسقطُ البعث ونظامه العابث..

حالة "الشَّغب المشروع" عمَّت المكان واستمرت هنيهةً من الزمان، متسببةً بتشتيت غلمان الأسد وقطيعه المنساق كما تساق الدابة نحو مأكلها إلى إمساك هذا وضرب ذاك.. فاتحاً الباب للأشرار إلى الانقضاض على الأخيار، وليصدر زعيم العصابة قرارًا بأنْ أوقفوا غليانه ووجِّهوا عليه خراطيم صهاريج الإطفائيات.... وليكون آخر مشهدٍ للحياة فيه منذ ذلك الحين .

لا ينسى ديريٌّ "ملعب الأستاد" في مدينته، الواقع في حي العمال، ذاك الملعب الذي شهد أحداثاً مشتعلة في غضون اندلاع ثورة الخامس عشر من آذار، عندما التهب في المباراة الأخيرة التي شهدتها أرضيته مع فريق "تشرين" في 18/3/2011، وكان أن انجرَّ الحكمُ حينها للتحكيم لصالح فريق تشرين "اللاذقاني"، وليشتعل الجمهور الذي كان محتقنًا وينتظر لحظةً كهذي اللحظة يثور بها على الأسد ونظامه، كان الشعار "ها هاه هيّ هيّ بدنا نشيل البعثية" رددوه مرات عديدة، وخرجوا بعد أن أوقفت المباراة إلى إلقاء الحجارة والأحذية على صور "حافظ وغلامه"، وأحرقوا سياراتٍ عسكرية وأضرموا النار هنا وهناك.. ومن ثم أرسل إليهم الأسد زبانيته ليفرّق جموعهم عبر سيارات الإطفاء والأساليب القمعية الأخرى، وهو المشهد الأول الذي يصطدم فيه خادمو الأسد بأهالي دير الزور، وتحديداً بمشجعي وعشاق نادي الفتوة.

العلاقة بين نادي الفتوة وأهالي دير الزور علاقة مترابطة؛ الجامع بينهما هو عشق النادي وتشجيعه حتى في أسوء حالاته، ولم تفتر العلاقة بين الجانبين مع هبوط النادي مرات عدةٍ إلى الدرجة الثانية، بل على العكس كانت العلاقة تزداد وئاماً مع كل خسارة يتلقاها النادي لتحفيزه على النهوض ومواجهة الفرق الأخرى في دوري الدرجة الأولى، وكان شعار النادي " الفتوة... فن أخلاق قوة " وهو الشعار الذي يردده مشجعوه في حلهم وترحالهم في المجالس الرياضيّة، وكان النادي الذي يُلقب بالفارس الأزرق يكتسب قوته من جمهوره، إذ من النادر أن يسجل فريقٌ فوزاً على الفتوة إن كان يلعب في أرضه وبين جمهوره الذي يأخذ تصنيفاً عالمياً في العنفوان والطاقة التشجيعية العالية.

غاب الفتوة عن اللعب بسبب تغييب النظام كافة الملاعب في المحافظات الثائرة خشية من أن تكون قبلة ثانية للمتظاهرين بعد المساجد، "كملعب الأستاد" في مدينة دير الزور الذي أغلقه النظام وبشكلٍ كامل وأودع فيه دباباته لقمع المتظاهرين في صيف العام 2011، ثم ما لبث أن دار الزمن وبعد سنة واحدة يدخل الثوار إلى حي العمال ويحررونه بأكمله مع معظم المدينة، وليصبح بعدها مستهدفا من قبل آلة الأسد العسكرية.

لقد تشتت معظم الفريق وجمهوره في أصقاع الأرض.. تاركين العزف على وتر الرياضة إلى العزف على وتر الثورة والانشغال بما يحقق أهدافها، فإما ناصرٌ لها بيده وإما ناصرٌ بماله، وفي أضعف الأحوال ناصرٌ بلسانه..

معظم اللاعبين أحجم عن اللعب، كثلاثي (عائلة الهمشري أكثم ومعمر وماهر، وأيضا ياسر الحسن وخالد الحسن، وأحمد الحسن ورامي النجرس) ولاعبون أخرـ إضافةً إلى رئيس النادي حينها (وليد مهيدي) وإداريون آخرون، وحتى المدير الإعلامي للفريق (نورس العرفي).

ومنهم من واصل اللعب؛ وبلعبه آزرَ الثورة وشدَّ من معنوياتها.. وهنا نأخذ نموذجا نال شهرةً واسعة في عالم الكرة المستديرة لا تقل عن شهرة رونالدو في إسبانيا أو شهرة بنزيما في فرنسا، إنه وكما يلقب " العكيد" اللاعب الديري في نادي الفتوة "عمر السومة" الذي رفع علم ثورة بلاده في إحدى المباريات الرسمية متوجهًا إلى الجماهير، محرجاً تلفزيون الأسد الذي اضطر لقطع البث حينها ، ثم ما لبث أن لمع نجمه محطما أرقاماً قياسية في الدوري السعودي، متربعاً على عرش صدارة هدافي الدوري، ومع كل هدف يحققه كانت قلوب مشجعي نادي الفتوة تخفق معه اعتزازاً به ومنتظرةً لحظة الفرج عن مدينته ليعود إليها وإلى ملعبها ليقدم الأداء نفسه.

الآن وفي هذه الأيام العصيبة وما يحصل في سوريا من مشاهد قتل يومية وتشرد ونزوح، وبعد أن أكلت الحرب ما أكلت من الشعب عامةً وشعب دير الزور خاصة على وقع القصف والجوع اللذين يرفضان وبشدةٍ مغادرة مدينتهم؛ ينفصم نظامُ الأسد عن الواقع كما عوَّدنا مسبقاً ولكن هذه المرة على الصعيد الرياضي، محاولاً إحياء ما قتله بنفسه، حيث شكل نوادي رياضية؛ اللاعب والجمهور فيها على مقاسه، فهو ارتكب المجازر ونشر الرعب والفوضى وهم باركوا أو هللوا أو صفقوا، وليقوم بزجِّ ذكورٍ أشبه بالدمى يتحركون بيده كيفما أراد، على أنهم لاعبون في دوري كرة القدم، ومن بين تلك الدمى، فريق أسمى نفسه "الفتوة" زوراً وبهتاناً، ولم يحظ ذاك النادي المصطنع بأي اهتمام أو متابعة من أبناء دير الزور، بل حتى إن الكثير منهم لم يسمع به، وإذا ما أخبرته الآن بأن هناك نادياً يلعب الآن تحت اسم الفتوة لن يأخذ كلامك على محمل الجد وسيستخفُّ بك وبخبرك، وستكون إجابته " إنت وين والناس وين" ومن تلك الإجابة ستلخص إلى نتيجة أن من يطلق على نفسه نادي الفتوة الآن ويتخذ شعار فن أخلاق قوة.. إنما حقيقة شعاره "انعدام الفن وتهدم الأخلاق وخمول القوة"، ولقب الفارس الأزرق لا يليق بمثل هؤلاء الشرذمة الحقيرة التي تخلّت عن وطنها وشعبها متجاهلةً ما يذوقه من مرارة بطش الأسد وحلفائه.

شتان بين فارسكم المخصيِّ المهزول، وفارسنا الأصيل المقدام.. سيعود ذلك الفارس حين يشاء الله عودته بعد أن تنقشع ظلمة الليل، سيعود يسابق ويتحدّى.. على وقع صخب هتافات جمهوره.. "العب فتوة العب فتوة" ... وليذهب فارسكم إلى مزبلة التاريخ.