الثلاثاء 2016/11/08

ملحمة سورية الكبرى..

الزخم الإعلامي الكبير الذي حملته وتحمله معارك حلب، تسبَّب بالتقليل من شأن الأحداث العسكرية أو الديمغرافية الواقعة في دمشق وحمص وحماة، ففي الوقت الذي كانت تدور رحى المعارك على أشدها في ملحمة حلب الكبرى، كان النظام يقضم العديد من المناطق في الغوطة الشرقية وريفي حماة واللاذقية، ويمارس التهجير القسري في مناطق بالغوطة الغربية وحمص.

على الرغم مما تحمله مدينة حلب من أهمية عسكرية وسياسية بالنسبة للثوار والنظام، إلا أن ذلك لا يعني أن المنتصر فيها قد ربح الحرب وحسم المعركة لصالحه، لكن الخطأ الذي وقع فيه الثوار عدم إيلاء بقية المحافظات الأهمية نفسها التي يولونها لمعارك حلب، ما أدى إلى تغيير خارطة السيطرة في مناطق عدة.

جبهات الساحل تشتعل فجأة وتنطفئ فجأة؛ كمعركة عاشوراء الأخيرة أو اليرموك، فضلاً عن الجبهات الجنوبية في درعا التي تشهد سكوناً طويلاً أشد بكثير من خمول جبهات الساحل، حيث تقتصر المناوشات على قصف متبادل واشتباكات متقطعة تفتقر إلى النية في التقدم البري نحو معاقل النظام.

وأما في حماة فلقد كانت الفرصة سانحة للثوار لاكتساح الريف، والوصول إلى قلب المدينة لو لم يحصل النزاع بين "أحرار الشام والجند"، فتلك المعارك كشفت الوهن العسكري والافتقار في الخزان البشري للنظام، بعد أن انهارت مناطق ومدن هامة في زمن قياسي بيد الثوار، وأصبح في مرماهم الوصول إلى جبل زين العابدين أعتى النقاط الاستراتيجية حيث يطل على معظم قرى ريف حماة وريف إدلب الجنوبي، وتتمركز فيه العديد من مليشيات النظام الأجنبية كما يعتبر نقطة إمداد رئيسة له، والآن وبعد إخراج "جند الأقصى" من دائرة المعارك بريف حماة وعدم تثبيت الفصائل الأخرى أقدامها، استعاد النظام معظم المناطق المحررة، ويواصل هجومه لاستعادة طيبة الإمام وإرجاع واقع السيطرة كما كان مسبقاً.

من الضروري في هذه المرحلة إيصال المناطق المحررة ببعضها، كي يبتعد شبح داريا والهامة وقدسيا والوعر عن مناطق أخرى محررة، وذلك لن يكون إلا بتسخين الجبهات الباردة، ولا يجوز الاكتفاء بمشاهدة المعارك في حلب ومؤازرتها بالأقوال دون الأفعال، فالقتال في المناطق التي تُعتبر محرمة هي نقطة ضعف النظام وحلفائه، كمحافظة اللاذقية التي توجد فيها المصالح الروسية من قواعد احتلالٍ وغيرها، ونقل المعركة والملاحم هناك سيهدد تلك المصالح ويرغم روسيا والنظام على إيقاف هجوم حلب.

الجنوب السوري هو منطلق الوصول نحو دمشق، وبالأخص ريفها الغربي الذي تفرّد به النظام وأصبح يمارس فيه سياسة التهجير القسري، وبانطلاق معركة حقيقة هناك ستقلب الوقائع عسكرياً، فالمناطق المحررة بدرعا والقنيطرة هي النقاط الوحيدة التي يُعول عليها للوصول إلى العاصمة وقلب الموازين كليًا على النظام، بعد أن حقق تمركزاً عسكرياً بسيطرته أوائل العام الجاري على مدينة الشيخ مسكين، التي تعتبر خط الدفاع الاستراتيجي الأول لمناطق الثوار في محافظة درعا، الأمر الذي يحتّم على ثوار الجنوب الحذر من مباغتة العدو وطرده كلياً.

أهمية كبيرة تحظى بها حماة لا تقل عن أهمية الساحل والجنوب، فهي منفتحة على إدلب وحلب وطرطوس وحمص والرقة، وبإعادة إطلاق المعركة هناك ستتغير الكثير من المجريات، أولها تأمين تحصين محافظة إدلب بشكل أكبر، وثانيها الوصول إلى ريف حمص الشمالي المحاصر وإبعاد سيناريوهات التهجير عنه، وثالثها نقل المعركة إلى داخل الأراضي التي يسيطر عليها الشبيحة والموالون، وأهم من كل ذلك فتح أبواب السيطرة على جغرافية جديدة من الأراضي السورية.

الثورة تعيش حالة دفاعية في دمشق ودرعا واللاذقية وحماة وحمص، على عكس حلب التي تشهد حالة هجومية، وهذه كارثة بحد ذاتها، فالهدوء المتزامن في تلك الجبهات تسبّب بضياع الكثير منها، وإن أهمية الغوطة الشرقية والغربية لا تقل عن حلب، وأهمية حي الوعر لا يقل عن حلب، وأهمية أي مدينة أخرى في المناطق المحررة أو التي توشك على السقوط بيد النظام لا تقل عن حلب، فدماء وتضحيات الثوار أثناء تحرير تلك المناطق غالية ونفيسة، ومن الخيانة أن تذهب سدى..

من الواجب واللازم عدم إقران الملحمة باسم حلب فحسب؛ المحافظات السورية بحاجة إلى ملحمة موحدة من حيث الزمن والعزيمة، تضرب النظام ضربة رجل واحد قبل أن تشتد شوكته وتجتمع مكيدته، ولنستغل هشاشته ووهنه في العديد من المناطق.. وبذلك سننتصر .. "بملحمة سورية الكبرى" سننتصر.