الجمعة 2016/05/13

مقتل مصطفى بدر الدين .. تصدع إمبراطورية الغموض

مجهولا لا تعرفه العامة، ولكن أعماله تنبئ عن حقيقته، حيث قضى الرجل ثلث قرن متربصا بزعماء دول وسفارات ومؤسسات مدنية ليقوم بتفجير هنا وخطف هناك.

المحطة الأهم بالنسبة للرجل هي دخوله إلى الكويت باسم إلياس فؤاد صعب، حيث قام بعدة تفجيرات ثم ألقي القبض عليه عام 1984 وحكم بالإعدام، وظل الرجل في السجن حتى سنة 1990 ، حيث اجتاحت القوات العراقية الكويت؛ فاستفاد مصطفى بدر الدين من الفوضى، وتم تهريبه إلى إيران، ومنها إلى لبنان لتبدأ مرحلة جديدة.

عقد التسعينيات كان افتتاحا لبدايات جديدة بالنسبة لمصطفى بدر الدين حيث انتهت الحرب الأهلية، وأطلق اتفاق الطائف يد حافظ الأسد في لبنان، وكان حزب الله قد استوى القوة الوحيدة بعد أن أنهكت الحرب الأهلية جميع الأطراف، وصار لبنان ُملكاً لحافظ الأسد الحليف المخلص لإيران، وبدأت تتشكَّلُ دولةٌ داخلَ دولة بمعاونة المخابرات السورية، وبدعم مباشر من اللواء غازي كنعان الحاكم العسكري المباشر للبنان بأمر من حافظ أسد.

البحث عن حامل إديولوجي لتسويق حزب الله

لقد كان السبب الأساسي للحرب الأهلية في لبنان هو محاولة الانفراد بالسلطة لتيار واحد، وهذا ما لا تطيقُه التركيبةُ السياسية والديمغرافية، والتي أرادها اتفاقُ سايكس بيكو مركزَ الانفجار ومحرِّك الحروبِ الأهلية، فكانت الحربُ الدامية؛ التي شملت كافة التيارات المتناقضة من اليسار واليمين والقوميين العرب والقوميين السوريين والفلسطينيين، وانتهت الحرب بخسارة الجميعِ لمواقعهم السابقة، مع تهشُّمِ قضيتهم الأخلاقية التي يزعمون، بعد غرقهم بدماء أشقائهم في المواطنة، لذلك كان لا بد من اجتراحِ قضيةٍ أخلاقيةٍ تكونُ الحامل، الذي يصعدُ عليه حزبُ الله، وتكون مبرراً لابتلاعه لبنانَ؛ فكانت قضيةُ المقاومةِ والممانعة، التي استخدمَها الحزبُ باحترافٍ عالٍ مستفيداً من طهرانيةِ قضيةِ فلسطين والكاريزما التي يتمتع بها حسن نصر الله، ومشروعِ السلام العربي مع إسرائيل، فكانت الأجواءُ السياسيةُ والاجتماعيةُ خصبةً لتلقُّف هذه الفكرةِ الجديدةِ بالتزامنِ مع الشعار الذي تطرحه إيران: الموت لأمريكا.

هذه الأجواء السياسية والفكرية كانت تنتظر مصطفى بدر الدين العائد من حكم الإعدام في الكويت، فوجد الرجلُ أمامه عماد مغنية مهندس السياسات العسكرية والأمنية للحزب ، فصار الرجلان القيادةَ الفعلية التي ترسم استراتيجيات الحزب العسكرية بتوجيه إيراني.

استنساخ التجربة في بقية البلاد العربية

نجحت تجربة حزب الله في لبنان، وخصوصاً بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب عام ألفين ميلادية؛ فبدأت إيرانُ مرحلة جديدة لاستنساخ التجربة فكان حزبُ الله في العراق، الذي نشأ مع بداية الاحتلال الأمريكي ،وكان له دور في ترسيخ النفوذ الإيراني، ثم حزب الله الكويتي الذي تورط في تهريب شحنات سلاح ضبطتها الحكومة الكويتية، وحزب الله في السعودية الضالع تورط في تفجيرات الخبر والتي خطط لها مصطفى بدر الدين 1996.

تفجير الشرق الأوسط وابتلاع لبنان من خلال قتل الحريري

لقد كان اتفاق الطائف ضامنا لتقاسم المكونات السياسية اللبنانية للسطلة شكليا بإشراف حافظ الأسد، ولكن هذا الاتفاق صار وراء ظهر الجميع بعد أن صار حزب الله قوة ضاربة في لبنان فلابد من التخلص من هذا الاتفاق ومن يمثله، فصار قتل الحريري ضرورة ملحة كونه الشخص الأقوى في التركيبة السياسة، ولأنه مدعوم من السعودية، فقتْلُ الحريري قطعٌ ليد السعودية في لبنان، وانفراد حزب الله في الحكم، فكان مصطفى بدر الدين وعماد مغنية جاهزين لرسم خطة الاغتيال التي نفذت بنجاح، وصار لبنان ولاية إيرانية يشغِّلُها حزب الله.

وعلى الرغم من محاولة النظام السوري ومعه الدكتاتورية العربية التي تشبهه في المنشأ و الإديولوجية طمس حقيقة المنفذين لاغتيال الحريري، إلا أن الاستفادة لاحقا كشفت هوية المنفذين، وكانت ملفات المحكمة الدولية والتي اتهمت عددا من الضباط السوريين كآصف شوكت ورستم غزالة، وجامع جامع، وغازي كنعان، وعلي مملوك ، وعماد مغنية ، ومصطفى بدر الدين من قيادي حزب الله .

وليس لأحد أن يدعي أن الضباط السوريين ذوي الرتب العالية والذين كانوا أعمدة النظام قد قتلوا مصادفة في ظروف غامضة باستثناء علي مملوك، وقضى معهم أيضا عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى تورط إسرائيلي في عمليات اغتيال قادة حزب الله ، لتنهار رويدا رويدا امبراطورية الغموض التي تبدأ من طهران لتمر بضاحية بيروت الجنوبية، وتعرج على قصر الشعب في دمشق ليلتئم الجميع في تل أبيب حيث يبدأون جرائمهم ثم يتخلصون من كل من انكشف أمره من المنفذين، وليكون اغتيال مصطفى بدر الدين ناقوس خطر لعمليات اغتيال جديدة تشمل كل من تورط في اغتيالات في المنطقة ، وليكون هذا الاغتيال مؤشرا على بداية مرحلة جديدة لحزب الله وتغيير الوجوه بعد أن تصدعت إمبراطورية الغموض.