الأحد 2019/10/27

مقتل البغدادي.. ملابسات التوقيت وأسئلة حول “حتمية العدالة”

 يبدو أن الرئيس الأمريكي اختار بعناية توقيت توجيه الضربة القاضية لزعيم تنظيم الدولة "أبو بكر البغدادي" ، بعد إعلان خبر مقتله عدة مرات – ومن عدة أطراف - منذ إعلان "خلافته" من الموصل العراقية عام 2014.

أعلن ترامب خبر مقتل البغدادي في مشهد لا يختلف كثيراً عن المشهد الذي أعلن فيه سلفه "باراك أوباما" مقتل زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن" عام 2011، قبيل عزمه خوض سباق لفترة رئاسية ثانية.

وها هو ترامب يفرش الطريق إلى فترة رئاسية ثانية في البيت الأبيض، من خلال الإعلان عن المطلوب رقم 1 بالنسبة لواشنطن.

يذيع ترامب "نبأه العظيم" حول مقتل البغدادي في وقت يحاصره فيه خصومه على وقع مجموعة فضائح دفعت الكونغرس إلى بدء إجراءات عزله على خلفية فضيحة مكالمته المسرّبة مع الرئيس الأوكراني، والتي اعتُبرت "تآمراً غير مسبوق" ضد منافس ترامب الأقوى "جو بايدن"، إضافة إلى ملفّ التدخل الروسي في انتخابات 2016 والذي لم يُغلق بعد.  ويجب ألا ننسى كذلك أن التوقيت يأتي وسط زوبعة من الانتقادات حول قرار الرئيس الأمريكي سحب قواته من سوريا قبل إلحاق الهزيمة الكاملة بتنظيم الدولة.

يمكن القول بارتياح كبير إن ترامب منح نفسه "الجائزة الكبرى" التي لن يفتأ يستخدمها على رأس برنامجه الانتخابي لسباق 2020. ولكن.. هل ترامب هو الفائز الوحيد بهذه "الجائزة"؟

بالعودة إلى خطاب الرئيس الأمريكي حول تفاصيل مقتل "البغدادي" نجد أنه قدم الشكر للتعاون بالعملية، لكل الأطراف الإقليمية والدولية الداخلة بالملف السوري، ما عدا إيران بطبيعة الحال، فذكر روسيا وتركيا ونظام الأسد ومليشيات "قسد"..الخ.

منذ بدء تواتر الأخبار حول مقتل البغدادي، أعلنت بغداد أنها قدّمت معلومات استخباراتية قادت إلى "نجاح العملية"، والأمر نفسه أعلنته مليشيات "قسد"، ومن نافلة القول أن روسيا ستقول بكثير من الفخر إنه لولاها لما تمكّنت الولايات المتحدة من تنفيذ عملية الإنزال، بعد إفساحها المجال الجوي في شمال سوريا للطائرات الأمريكية.

يبدو الأمر وكأنه مهرجان لتوزيع شهادات البلاء الحسن، واستثمار جميع الأطراف خبر مقتل البغدادي لمصلحتها وأجندتها. وعلى الرغم من أهمية خبر كهذا بالنسبة لمسار الأحداث في سوريا، وانعكاسه على اضمحلال تنظيم الدولة هناك، وبالتالي سحب ورقة "مكافحة الإرهاب" من المستثمرين فيها، إلا أن من حق السوريين اليوم أن يطرحوا عدة أسئلة: هل سيؤدي مقتل البغدادي إلى عودة ملفّهم الأساسي الذي خرجوا من أجله عام 2011 إلى الواجهة؟، وما الفرق بين إرهابي كالبغدادي يُفترض أنه مسؤول عن مقتل بضعة آلاف، وإرهابي آخر لا يزال يسكن في قصره ويسعى العالم إلى إعادة إنتاجه بعد أن قتل نحو مليون سوري؟ وهل مقتل البغدادي يُعد بشارة للمنكوبين حول مصير كل مجرمي الحروب وسفّاكي الدماء؟ أم إن الموضوع لا يعدو أن يكون جوائز لترامب وأصدقائه في هذا التوقيت الحرج؟ .. جميعها أسئلة تنتظر الإجابة لكي يشعر السوريون أن الضمير الإنساني والقانون الدولي لا يزالان بخير وعافية.