الأحد 2016/06/05

مفاوضات جنيف رهينة سياط الجوع والسياسة

سباقٌ محفوف بعراقيل شتا تسعى الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية إلى إيجاد ما من شأنه تلميع صورتهما على حساب الشعب السوري بحيث يظهران بمظهر المحاول تذليل كل العراقيل التي تحول دون عودة أطراف مفاوضات السلام السورية إلى جنيف.

اتصالات مكثفة بين دول كبرى وأخرى إقليمية وبين أطراف المفاوضات السورية لحل ثلاث عقد تعرقل سير المفاوضات وعلى رأسها مصير الأسد والسعي لتوفير ظروف استئناف مفاوضات السلام في جنيف بدءاً من السابع عشر من الشهر الجاري على أمل بدء جولتين من هذه المفاوضات قبل بداية شهر آب المقبل وهو الموعد الذي حدده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هدفاً لبدء المرحلة الانتقالية في سوريا.

يبدو أن السعي الجاد لتهيئة كل الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات تصطدم بلهيب النيران الناتجة عن القصف الروسي والاسدي الممنهج في مدينتي حلب وإدلب وهذا ما يجعل المعارضة أمام مرمى الاستنكاف عن تلبية أي مطلب أممي دون ضمانات تتعهد بوقف الهجوم الهمجي الممارس من قبل روسيا وحليفها الأسد ضد المدن السورية.

ردود أفعال كثيرة انتابت المرحلة السابقة من عمر المفاوضات وما يجري في الميدان بعيد كل البعد عن كل التكهنات السياسية فالساسة ينظرون إلى الملف السوري بعين واحدة تنطلق من مصالح تضمن لهذه الدولة أو تلك مكاسب قد تلتقي فيما بينها في مستنقع الدمار والموت الذي يحصد أرواح السوريين.

حقيقة تتضح دون أدنى شك بالرغبة الدولية الساعية ربما لفرض حل ما على السوريين وهذا ما بدا واضحاً من حديث المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك والذي أكد على أن محادثات جنيف ستتواصل رغم تأجيل المعارضة مشاركتها باعتبار أن المفاوضات هي الخيار الوحيد لإنهاء الصراع في سوريا.

رغباتٌ دولية تكاد تكون سياطاً تدمي أجساد السوريين فما من خطوة سياسية إلا وترافقها أزمات إنسانية تتعدد بين حصار ودمار وقصف وتجويع ولعل هذا ما دفع المعارضة السورية إلى انتقاد الدور الأممي في المفاوضات وهو ما رد عليه المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك واصفاً هذه المفاوضات بأنها من أشق وأصعب المفاوضات التي تنخرط فيها الأمم المتحدة مشيراً إلى أن اجندتها واضحة ومحددة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ولكن بسبب صعوبتها فإن من الطبيعي أن يحدث فيها تقدم إيجابي أحياناً و تراجع سلبي أحياناً أخرى.

تناقض واضح بات يلف الموقف السياسي وهو ما أكد عليه المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا الذي أشار إلى وجود فجوة كبيرة بين طرفي المفاوضات في جنيف موضحاً أن المعارضة تصر على هيئة حكم انتقالية بينما يلح النظام على حكومة موسعة وهذا ما يزيد الفجوة اتساعاً.

سياسة تتسابق مع الموت والجوع للنيل من السورين ذاك الموت الذي يكاد يكون شبحاً يخيِّم في بيوت السورين لم تستطع سلطة المنظمة الأممية أن تكسر تعنت النظام ولا تلك الأنَّات التي لم تجد من يسمعها لتصم المجتمع الدولي بعارٍ بات على جبين عالمٍ عجز عن إدخال رغيف خبزٍ إلى مدينة داريا المحاصرة حيث شقت أولى قوافل المساعدات طريقها بين آهات سكان المدينة حاملة بعض المساعدات الطبية ضاربة نداءات الجياع بعرض الحائط دون مجيب يلبي تلك النداءات.

حالٌ لا يكاد يغادر الساحة السورية فمن انتكاسة سياسية في مفاوضات جنيف إلى فشل أممي وصمه الأسد وحليفته روسيا بعارٍ سيذكره التاريخ ولن ترحمهم الأجيال القادمة التي ستولد من رحم الجوع والموت إلى حياة عنوانها الخذلان.
أمام هذا الخذلان الدولي يبدو أننا أمام مرحلة جديدة على الساحة السياسية تمثلت باستقالة كبير المفاوضين في وفد الهيئة العليا للمفاوضات السورية محمد علوش الذي عللَّ استقالته بعجز المجتمع الدولي عن تنفيذ قراراته وإجبار الأسد على الإذعان لهذه القرارات حيث أكد أن المفاوضات إلى مالا نهاية هي ضرب من العبث بمصير هذا الشعب.

أحاديث سياسية لا تبتعد عن كونها تسريبات تحدثت عن توسيع الوفد المفاوض حيث أن هناك تغيرات ستطال هذا الوفد وهذا ما عزاه البعض إلى أن هناك خلافات بشأن التشكيلة الجديدة للوفد ربما تكون أحد أسباب استقالة علوش أو ربما هو الرفض لأي قرارات أو شخصيات قد تفرض من هذه الدولة أو تلك على هيئة التفاوض خاصة مع الحديث عن فرض حل نهائي قوامه تقاسم السلطة مع الأسد خلال المرحلة الانتقالية حيث لم يعد سقف المطالب الأمريكية بأن يتنحى الأسد مع بدء العملية الانتقالية الأمر الذي يضع الوفد المعارض أمام اختبار من الصعب عليه اجتيازه في ظل المطالب الثورية التي أُزهقت لأجلها مئات الأرواح الأمر الذي يطرح تساؤلاً كبيراً ويضع استقالة محمد علوش بين قوسين مما لا يترك مجالاً للشك في أن الأسابيع القادمة ستكون حبلى بالتطورات السياسية وربما يكون الأول من آب القادم بداية الولادة الحقيقية التي ستميط اللثام عن كل ما يطبخ في المطبخ الدولي.

منحى جديد يجعل السياسة الدولية المعنية بالشأن السوري على مفترق طرق ليس أولها التصعيد العسكري على الأرض من قبل الأسد وروسيا ولا أخرها استقالة محمد علوش التي رحبت بها موسكو على لسان نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف الذي قال إن هذه الاستقالة ستأتي بنتائج إيجابية كون روسيا سعت مراراً وتكراراً لعزل فصيل جيش الإسلام الذي يمثله محمد علوش عن المفاوضات الأمر الذي يثير تساؤلات عدة أمام مفترق الطرق هذا مفاده هل تحاول موسكو وواشنطن على خلفية هذه الاستقالة التدخل في إعادة ترتيب البيت الداخلي للمعارضة وبالتالي توسيع دائرة الممثلين عبر إمكانية إشراك وفدي موسكو والقاهرة في الوفد المفاوض مما يجعل هذه التغيرات المفروضة سياطاً تترك آثارها على الجسد السياسي للمعارضة كما هو الجوع الذي بات يفتك بالسوريين في سياسة هزلية باتت تغوص في مستنقع السياسات وخفاياها.