الأحد 2016/05/29

معركة الرقة .. الطريق إلى أبواب الجحيم

"لا تذهب بنظام لتأتي بأسوأ منه" تلك هي المقولة التي شاعت في الفترة الأخيرة حيث ترددت مع إشاعات تفيد بأن أياماً قليلة باقية لبدء معركة تحرير الرقة معقل تنظيم الدولة في سوريا.

ربما تكون بمثابة انعطاف كبير في عمر الثورة السورية وقد يكون له أبعاد سياسية وأخرى عسكرية على الأرض، فالمدينة تقبع منذ سنتين ونصف تحت قبضة تنظيم الدولة الذي يحاول اليوم إعادة تموضع ورسم خطط جديدة لمراكز سيطرته الممتدة من الموصل في العراق إلى دير الزور فالرقة معقله الرئيسي في سوريا.

أسباب عديدة تدفع عجلة الخطط المرسومة لتحرير المدينة، ربما لن يكون القصف الجوي من قبل طائرات التحالف الدولي هو أولها حيث بدأت تتمخض خطط جديدة سيكون محور دعمها هو التحرك براً بمساندة ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية.

خطوة ليست بجديدة، فتحرير مدينة عين العرب (كوباني) كان بالتنسيقمع الأكراد والسيناريو ذاته قد يتكرر اليوم في الرقة فالقيادية في قوات سوريا الديمقراطية (روجدا فلات ) كانت قد أعلنت عن انطلاق حملة تحرير شمال الرقة بمشاركة لواء تحرير الرقة بدعم من طائرات التحالف الدولي.

معركة قادمة ربما تكون على عتبات الريف الشمالي من الرقة حيث إن عوامل كثيرة تجعل هذا الوقت بالذات مهم لخوض المعركة الحاسمة، فبعض هذه العوامل سياسي والآخر يرتبط بمعطيات ميدانية عن المعارك الدائرة في المنطقة ولعل أبرز الأسباب التي دفعت لخوض معركة في الرقة هو التدخل الروسي الذي سدد ضربات قوية على تنظيم الدولة إلى جانب قوات التحالف حيث شتت بعض قواه في حين حد من حرية الحركة لعناصره في الميدان بالإضافة إلى انشغاله بالمعارك قرب مدينة حلب التي يواجه فيها قوات الأسد وميليشيا حزب الله الإرهابي وأيضاً الحرب التي يشنها الجيش العراقي عليه في الرمادي والموصل.

عتباتٌ حمراء قد يلفحها لهيب النيران التي باتت على أبواب الجحيم التي ربما تُفتح هذه المرة لتشعل عاصمة البغدادي في سوريا وما زيارة الجنرال الأمريكي جوزيف فوتيل إلا لوضع اللمسات الأخيرة على الخطة المجهزة لتحرير مدينة الرقة.

منحىً جديد ستدخله الحرب في سوريا ضد تنظيم الدولة تمثل بزيارة قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط لسوريا فهذه الزيارة تعزز الرؤية الأمريكية من خلال دعم قوات محلية.

وعلى الرغم من إلقاء التحالف مناشير تطالب سكان الرقة بمغادرتها فهناك من يعتبر أن هذه الخطوة قد تدخل في سياق الحرب الإعلامية ضد تنظيم الدولة ولكن ما يبدد هذا التخمين هو تزامنها مع معلومات متداولة عن نية القوات الكردية بدء حملة ضد تنظيم الدولة في الرقة بدعم من التحالف الدولي.

لكن أبواب الجحيم هذه المرة ستقذف بحممها لتحرق من يفتحها وهو ما تجلى بالرد من قبل تنظيم الدولة الذي رد على قرع طبول الحرب في الرقة بتسجيل صوتي يدعو فيه إلى تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة وأوربا خلال شهر رمضان في خطوة تهدف إلى رفع معنويات مقاتليه وتعكس الصعوبات التي يواجهها، حيث بدأ بسحب معدات ثقيلة إلى مدينة دير الزور التي تعتبر شريان حياة بالنسبة له من خلال طريق الامداد الواصل من مدينة الموصل في العراق.

محاولة يبدو أنها لرفع الهمم والمعنويات سرعان ما تلاقت مع تلميح بخسارة مرتقبة والعودة إلى الصحراء وهو ما أقر به أبي محمد العدناني الناطق الرسمي باسم تنظيم الدولة حيث أقر بقرب خسارة التنظيم لأهم معاقله في العراق وهي الأنبار والفلوجة والموصل.

كلمة وربما محاولة يريد من خلالها العدناني أن يهيئ المفتونين بتنظيم الدولة لتقبل الهزائم المنتظرة في الرقة وسرت والموصل محاولاً التلميح إلى أن تنظيم الدولة أدى وظيفته وعليه الآن الرحيل.

وبعيداً عن ميدان القتال تدور معركة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى تتمثل في المفاوضات التي تدور في فيينا من أجل الحسم في مصير الأسد ونظامه في مرحلة سياسية انتقالية تنهي الحرب المستمرة منذ أربعة أعوام ولكن وعلى الرغم من عدم التوصل إلى اتفاق فإن الثوار يرون أن هذا هو الوقت المناسب لتحقيق مكاسب على الأرض معتمدين على دعم أمريكي معلن وهذا ما يعطي غطاء سياسيا لمعركة الرقة الحاسمة التي إن نجح الثوار في تحريرها من تنظيم الدولة سيكون ذلك مكسباً كبيراً لجبهة الاعتدال التي خسرت الكثير خلال السنتين الأخيرتين حيث لا تزال المعارك السياسية عقيمة لم يتمخض عنها ما من شأنه أن يئد عهداً من الخوف والاستبداد في عصرٍ بات أبطاله ضحايا السياسات المتأرجحة.

اليوم ومع اقتراب المعركة من الرقة يتسابق اللاعبون لتحريك حمم النار الخامدة حيث جاء إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أن موسكو مستعدة للتنسيق مع التحالف الكردي العربي المسنود من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لشن هجوم جوي وبري من أجل طرد تنظيم الدولة من مدينة الرقة.

محاور عدة قد ينطلق منها الهجوم البري على الرقة منها محور تل أبيض وسد تشرين في وقت تشهد فيه مدينة عين العرب عمليات تحشيد عسكري حيث تم استقدام مئات المقاتلين الأكراد من مناطق الإدارة الذاتية في ريف الحسكة إضافة إلى جيش الثوار وبعض الفصائل الأخرى التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية.

والآن طبول الحرب بدأت تقرع وسط مخاوف من كارثة إنسانية قد تشتعل مخلفة وراءها رماداً ساخناً قد يتناثر في الهواء ليطال مناطق عديدة لن تقتصر على سوريا فحسب بل قد يصل ذاك اللهيب الحارق إلى الغرب فاتحاً أبواب الجحيم المؤصدة هناك والتي قد تنفث حممها مع أول حرائق الرقة.