الأثنين 2016/01/11

مأساة السوريين العالقين في صحراء الرويشد شرق الأردن

كم الساعة ؟ لاجئون خارج حدود الزمن.

قطعنا مسافة ثلاثمئة كيلو متر حتى وصلنا قريباً منهم وتم استقبالنا بشكل ممتاز إلا أن رداءة الجو وصعوبة الوضع الأمني في ذلك اليوم لم تمكنّا من الدخول إلى منطقة المخيم ، ورجعنا وكلنا أسًى لعدم تمكننا من لقاء إخواننا العالقين .

وفي طريق العودة بعد مئة كيلو رنّ هاتف أخينا الشيخ أبي بكر وكانت المفاجأة .

فريقنا الذي تأخر وجد سبيلًا للدخول وبعد مشاورات ودون تردد اتفقنا على العودة و لو كانت نسبة النجاح واحداً بالمئة.

رجعنا وكان فريقنا في انتظارنا وطلب منا الشباب الانتظار حتى اكتمال الاتصالات .

لكن للأسف باءت المحاولة بالفشل وعدنا مرة أخرى إلى العاصمة نحو ثلاثمئة كيلو .

ولم تتوقف محاولاتنا واتصالاتنا فمهمتنا الأساسية التي جئنا من أجلها هي الوقوف على معاناة إخواننا العالقين في الصحراء منذ أشهر .

كم الساعة ؟ سؤال جوهري لمعاناة بشر يعيشون خارج حدود الزمن ؟

كم الساعة ؟ سؤال يجسد معاناة إنسان

كم الساعة ؟ جرح عميق في روح الإنسانية التي اغتيلت في نفوس كثير من البشر .

وبعد محاولات وعلى أعلى المستويات جاءنا الخبر "فيكم تفوتوا " لكن !! عليكم أن تَصِلوا وتنهوا المهمة قبل الثامنة صباحاً .

"تكرم إذا بدك نتحرك من هلأ ".

وعلى عجل أجرينا اتصالاتنا بأعضاء الفريق وجهز الشيخ أبوبكر شاحنة المساعدات واكتمل الفريق وبحدود الساعة الثالثة والنصف صباحاً كنا مستعدين للانطلاق وكان فريقنا مكوناً من ثلاث سيارات رباعية الدفع مع شاحنة المساعدات العاجلة .

وانطلقنا على عجل نسابق أشعة الشمس قبل بزوغها لم يوقفنا إلا نقطة للجيش... توقفنا عندهم وصلينا الفجر هناك على عجل وصلى معنا الجندي الذي أوقفنا ولاحظنا جميعاً كيف توضأ بالماء البارد في ذاك البرد القارس فقط حتى يدرك فضل الجماعة !

كم الساعة ؟ سؤال ينتظر منا الإجابة !

أكملنا طريقنا تحت جنح الظلام وأشعة الشمس تترقبنا والشوق إلى إخواننا يحدونا .

وبفضل الله وصلنا إلى الرويشد وبعد جولة مرثونية من الاتصالات كدنا نفقد الأمل معها بالدخول سُمِح لنا بالتوجه إلى منطقة المخيم .

" العالقون في صحراء الرويشد"

خرجنا من المعسكر بعد الحصول على الإذن لا نلوي على شيء مسرعين متعجلين يلفحنا البرد القارس في تلك الصحراء المقفرة وفي مخيلتنا منظر أولئك الأطفال والنساء وكبار السن الذين يرتجفون من البرد في العراء .

كم الساعة ؟ سؤال لم نكن نتخيله أو نتوقعه !

وصلنا هناك إلى حيث لا هناك .

هناك صحراء،  هناك عراء، هناك مملكة الزمهرير، هناك بضع خرق يسمونها خياماً لا تقي من شيء، هناك لا طعام،هناك لا ماء،هناك لا توجد مقومات الحياة.

تأثر أحد الزملاء فأخرج مبلغاً من المال ليعطيه لسيدة تحمل طفلاً فقالت له لا نريد المال فقط أخرجونا من هنا ، إنهم عالقو صحراء الرويشد .

وجدناهم في طابور طويل وقد سمح لهم باستلام وجبتهم الوحيدة في ذلك اليوم مع ذاك البرد القارس .
وطابور آخر يستلمون فيه حفنة من ماء لا تكاد تكفي لشيء ، وكما قيل "قوت ولا تموت " ، العالقون في صحراء الرويشد  ، روايات مفزعة ..
سألنا أحدهم من أين انت ؟
قال من درعا.
وسألنا آخر من إين انت ؟
قال من "الشيخ مسكين" .
وسألنا آخر من أين انت ؟
قال من القريتين ؟
وسألنا آخر قال من الغوطة ، وبعضهم جوبر وبعضهم من العتيبية .
وكانت المفاجأة.. كم من الوقت مضى حتى وصلتم هنا ؟ ، بعضهم ثلاثة أشهر وبعضهم أربعة وقال آخر ستة أشهر ، كنا نسأل حتى نتعرف على احتياجاتهم من الطعام و الدواء و الإيواء .
لكن مالم نتوقعه سؤال أحد العالقين ، سألَنا سؤالاً لم نكن نتوقعه !! سألنا كم الساعة ؟

كان السؤال بالنسبة لنا كالصاعقة حيث أدركنا تماما أنهم بالفعل يعيشون خارج حدود الزمان في ظل انعدام أبسط مقومات الحياة .

عالقون لايستطيعون العودة من حيث أتوا لأنهم فروا من الموت العاجل بقصف الطيران الروسي ولكنهم وقعوا في فخ الموت البطيء بالبرد.. بالجوع ...راقبتهم المنظمات الدولية بلا رحمة ولا إنسانية .

العالقون في صحراء الرويشد أرقام مفزعة ، عددهم نحو عشرين ألفاً .

يموت منهم المئات في الصحاري قبل وصولهم الرويشد ، يعيشون في صحراء مقفرة لا توجد بها أدنى مقومات الحياة.

يحصل المحظوظ منهم على وجبة واحدة في اليوم ، درجة الحرارة تحت الصفر .

عدنا وقد فقدنا شيئاً هناك .. نعم فقدنا قلوبنا التي ما زالت معهم هناك وكلنا أمل أن نعود إلى هناك ولا نجدهم ولا نجد أي إنسان في مثل الحالة التي تركناهم عليها هناك.

الكاتب: أحمد سعيد موسى