السبت 2017/07/22

لهذه الأسباب.. يجب أن يكون لبنان آخر بلد يحارب اللاجئين !

تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب" التي يدفع السوريون ثمنها دماً ودماراً وتشرداً، والتي بسببها انحرف العالم عن المجرم الحقيقي في سوريا، وبات من قتَل أكثر من نصف مليون شخص شريكاً في تلك الحرب، تحت هذه الذريعة أيضاً لاحق القتل والاعتقال اللاجئين السوريين في بلد مجاور طالما حسبوا أهله امتداداً لهم على السراء والضراء.

تزامنت الحملة الأمنية اللبنانية في مخيمات عرسال والتي قتَل الجيش فيها نحو 20 لاجئاً بعضهم تحت التعذيب، مع عملية عسكرية بدأها جيش لبنان في المنطقة الحدودية، ومع حملة تقودها بعض الشخصيات اللبنانية التي كشّرت فجأة عن أنيابها، وأظهرت بألسنتها ما كانت تخفي صدورها من البغضاء والحقد.

نعم تخيَّـل السوريون أن أكثرية شعب لبنان حاقدة على نظام الأسد بسبب ممارساته في بلادهم بعد اتفاق الطائف، لكنْ لم يتخيل أحد أن هذا الحقد يستثني نظام الأسد ومؤسسته العسكرية، ويلتصق بلاجئين معظمهم نساء وأطفال غادروا ديارهم مُرغمين، وإذا ببعض الشخصيات الدينية والسياسية والفنية، تجعل اللاجئين السوريين مجرد "كائنات" لا هم لها سوى أن "تسرق" الهواء والماء والغذاء من اللبنانيين !

وأمام تلك الحملة التي قال مراقبون إنها تأتي بهدف الضغط على السوريين وإعادتهم إلى قبضة الأسد بتخطيط بين النظام و"حزب الله"، تبرز لدينا مجموعة من الحقائق ينبغي بموجبها أن يكون اللبنانيون آخرَ شعب يتململ من وجود اللاجئين أو يحاربهم أو يشتكي من بقائهم على أرضه:

1- اللبنانيون شعب لاجئ:

هذه ليست سُبَّة بحق اللبنانيين، بل هي حقيقة تاريخية منذ أن كان لبنان جزءاً من سوريا الطبيعية قبل أن يفصِلَه مِقصُّ "سايكس بيكو" عن دولته الأم، فوفقاً للإحصاءات فإن أكثر من 15 مليون لبناني يتوزعون في بلدان العالم بين أوربا وآسيا ودول الأميركيتين، بينما يقطن ثلث هذا العدد فقط في لبنان، يعيش على التحويلات المالية والمساعدات الأجنبية والعربية.

إن بلداً يعيش ثلثا أهله في بلدان المهاجر ينبغي ويُتَوقَّع منه أن يقدِّر ظروف اللاجئين وصعوبات تكيفهم واندماجهم مع البيئات الجديدة، ومتطلبات حياتهم ومعيشتهم، فالشاعر اللبناني الشهير الياس فرحات حين كان يعمل بائعاً جوالاً في البرازيل لم يخطر بباله أن يقوم أحد البرازيليين ويقول له إنك تخطف اللقمة من فمي، بينما لم يستطع البطريرك "بشارة الراعي" فهم هذا المعنى على ما يبدو، وقال إن اللاجئين السوريين يخطفون اللقمة من فم اللبنانيين !!

2-لبنان بلد حروب أكرم السوريون وفادة أهله:

من الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً إلى حرب تموز 2006 ، ذاق اللبنانيون بجميع طوائفهم مرارة الحرب ونالهم من نيرانها القتل والفقد واللجوء والأزمات، وحينها وقف السوريون مع من نزح من لبنان وقفة مشرِّفة وأكرموا وفادتهم، وفتحوا بيوتهم ومدارسهم لاستقبال آلاف العوائل، ولذلك توقع السوريون حين هُجِّروا من ديارهم أنهم سيقطنون لدى شعبٍ أدمته الحرب سابقاً ويعرف ويراعي مشاعر الذين فروا من الحرب والنار لا يلوون على شيء سوى ما يحفظ حياتهم وكرامتهم، فطبع الإنسان أن يعيش مأساة غيره إذا كان جرَّبها بنفسه، وظن السوريون أن الشعب الذي أكرمه بمحنته سابقاً سيردُّ له الجميل على الأقل، لكن هذه الظنون ذهبت أدراج الرياح، ولا سيما بعد الحملة الأمنية في عرسال، ومع المعاملة العنصرية البغيضة التي لقيها السوريون من بعض اللبنانيين، وفق ما يبدو أنه خطة ممنهجة متفق عليها بين نظام الأسد والمليشيا الطائفية التي تحكم لبنان، لدفع اللاجئين السوريين بعد التضييق عليهم إلى "حضن الأسد".

3- السوريون لم يكونوا عالة:

لا يتعلق الأمر هنا بلبنان فقط، بل يندرج الأمر على الأردن وتركيا ومصر أيضاً، وعلى كل بلدٍ هاجر إليه السوريون.

ففي لبنان مثلاً (الذي يحوي أكثر من مليون لاجئ سوري)، يحصل قسم كبير من اللاجئين على مساعدات أممية أو مقدَّمة من هيئات إغاثية عربية ودولية، بينما انخرط قسم كبير من السوريين في لبنان بسوق العمل بصفة تاجر أو أجير أو عامل، يقدِّم للبنان أكثر مما يقدمه اللبناني نفسُه في بعض الأحيان، ويعيش على قوته اليومي أو الشهري دون أن يؤذي أحداً، نعم يعرف السوريون أن لبنان بلد صغير أصلاً، لكن ليس إلى الدرجة التي وصلت ببعض اللبنانيين إلى القول إن "السوريين يقاسموننا الهواء" !

4- "حزب الله" اللبناني هو من هجر السوريين من عدة مناطق:

لنقل إن هذا السبب هو من أهم الأسباب التي ورد ذكرها، لأنه يشير إلى السبب الحقيقي الذي أدى إلى أن يترك هؤلاء اللاجئون أراضيَهم وأرزاقهم، فمعظم اللاجئين في لبنان هم من بلدات ومدن حمص وريف دمشق، التي ثارت كغيرها في وجه نظام الأسد عام 2011، ومنذ تدخل مليشيا حسن نصر الله في سوريا وجَّهت اهتمامها أولاً إلى المناطق الحدودية، في خطوة استهدفت بشكل مباشر إجراء عملية تغيير ديمغرافي واسعة أصابت عشرات المدن والبلدات التي هاجرها أهلها إلى المناطق المجاورة في لبنان.

وأمام الحملة العنصرية التي استهدفت السوريين في لبنان بالآونة الأخيرة، ارتفعت الأصوات التي تطالب الحكومة بإخراج مليشيا "حزب الله" من المناطق التي تحتلها في سوريا، ليعود إليها أهلها.

في السطور السابقة حاولنا أن نمرّ بعجالة إلى الأسباب التي يُفترض أن تجعل لبنان آخر بلد يضيق ذرعاً باللاجئين، وتجعل اللبنانيين بجميع طوائفهم آخر شعب يمكن أن يمارس قسم منه العنصرية بحق السوريين، وفي الأثناء التي تكتب فيها سطور هذه المقالة، تشن مليشيا حزب الله عملية عسكرية واسعة في مناطق جرود عرسال وفليطة بالقلمون الغربي المشترك بين سوريا ولبنان، بينما يُخشى أن تؤثر هذه الحملة على عشرات آلاف اللاجئين هناك، الذين وقعوا بين خيارين أحلاهما مر.. البقاء تحت المضايقات والحملات الأمنية والاعتقال الذي قد يؤدي بصاحبه إلى الموت، أو العودة إلى مناطق سيطرة الأسد بما تحمله تلك العودة من خطر على حياتهم وكرامتهم.