الأحد 2018/07/15

لهذه الأسباب.. لن يكمل الأسد طموحه في إدلب

بعد السيناريو المحزن الذي مرّ ويمر به الجنوب السوري، الذي سُلّم على طبق من ذهب لنظام الأسد، تتوجّه الأنظار اليوم إلى الشمال السوري، ولا سيما إدلب، التي تُعد أول محافظة يرتفع علم الثورة في كامل ربوعها بعد طرد النظام منها عام 2015.

نظام الأسد وحلفاؤه بدؤوا دعايات الترويج لـ"معركة قادمة" في إدلب، ونقلت مواقع إخبارية - بعضها محسوب على الثورة - تصريحات لقيادي في الجيش الحر مفادها أن "القوات الروسية" حذّرت المفاوضين خلال الاجتماعات التي عُقدت في مدينة بصرى الشام، من الخروج نحو محافظة إدلب، معلنةً لهم بأن "المحرقة" هناك ستبدأ قريباً.

من نافلة القول أن نظام الأسد يعيش اليوم حالة من النشوة العارمة، بعد سيطرته على المناطق المحررة في ريفي دمشق وحمص ثم في منطقة حوران، ولا شك أن حليفه الروسي ارتاح كثيراً لفكرة السيطرة على المناطق المحررة دون قتال كما حصل في حمص ودرعا، وربما يريد تطبيقه على محافظة إدلب عبر بث أخبار تستهدف إحداث فوضى وبلبلة فيها.

الترويج والحشد النفسي ضد إدلب ليس بالجديد، فمنذ تحرير المحافظة وطرد الأسد منها بشكل مذلّ، يتوعد النظام باسترجاع المحافظة التي خسر فيها الآلاف من مقاتليه، ومع سقوط حلب أواخر العام 2016 نُقِل عن القيادي في الحرس الثوري الإيراني "سيد جواد" عزمه على دخول محافظة إدلب.

نحو 4 ملايين يقطنون إدلب بين مقيم ونازح لم يكونوا يلتفتون إلى الأخبار التي يروّجها النظام وروسيا، غير أن الأمر أخذ طابعاً مختلفاً حين صار هذا "الترويج" ينتشر - مع الأسف – على يد أطراف ووسائل إعلام محسوبة على "الثورة" من حيث تشعر أو من حيث لا تشعر، تحت عنوان "الواقعية" وبذريعة "ما بدنا نخدع الناس"، وصار الأمر يعتمد على فكرة واحدة مفادها أن الأسد يريد استرجاع كافة البلاد، على الرغم من اللاواقعية المفرطة في طرح هذه الفكرة التي حرص بشار على تردادها في جميع مقابلاته منذ العام 2012.

لا شكّ أن خداع أهل إدلب بأخبار مليئة بالتفاؤل ليس أمراً جيداً، لكن بالمقابل؛ أليس تخويف ملايين السوريين في إدلب من معركة لم يظهر لها أي أثر على الأرض يُعد نوعاً من أنواع الخداع والمساعدة المجّانية للأسد والروس والإيرانيين؟ والسؤال الأهم: هل الروس الذين ارتكبوا آلاف المجازر في سوريا حريصون على دماء السوريين ليحذّروهم من الذهاب إلى إدلب؟

بعيداً عن المزاودات، وبعيداً كذلك عن العواطف والخداع، وفيما إذا وضعنا "نظرية المؤامرة" جانباً، نستطيع القول إن الوضع في إدلب مختلف فعلياً عما جرى في حمص ودرعا والقلمون الشرقي، التي انسحبت منها الفصائل دون قتال وسلّمت أسلحة وعتاداً كفيلاً بتحرير سوريا بالكامل، وفيما يلي نستعرض أسباباً قائمة على المنطق والواقع تقول جميعها إن النظام وروسيا يتجنبان معركة إدلب، وإنها لو حصلت فلن تكون مجرد نزهة.

العامل الأول:

تُعد إدلب اليوم أكبر خزّان بشريّ للمقاتلين ضد نظام بشار الأسد، سواء بفصائلها المحلية أو بالفصائل التي ذهبت إليها ولم تقبل بالتسوية مع نظام الأسد. تقدَّر أعداد المقاتلين في إدلب اليوم بـ120 ألفاً  ما بين مقاتلي الفصائل الثورية أو الإسلامية.

تجدر الإشارة إلى أن الفصائل المحلية في إدلب لم تتعرض نهائياً لفكرة المصالحات منذ 2015، أما الفصائل التي دخلت إدلب بعد التهجير فهي بالأساس رفضت فكرة التسوية مع نظام الأسد، وبالتالي فإن عامل التخاذل لدى تلك الفصائل يكاد يكود معدوماً. ومن المعلوم أن جميع الفصائل في إدلب تمتلك من السلاح كميات كبيرة نتيجة لما تمت السيطرة عليه خلا تحرير المعسكرات والمطارات في المحافظة إضافة إلى ما تم الاستيلاء عليه في معارك لاحقة.

العامل الثاني:

هذا العامل يتعلق بفكرة مهمة جداً مفادها أن المدن والبلدات التي استسلمت لنظام الأسد ولعملية التهجير القسري كان لها ملجأ آمن لها في إدلب، والسؤال: فيما لو قبلت فصائل إدلب بالتسليم فإلى أين تكون الوجهة يا ترى؟. معروف أن القط حين تحصره في زاوية سينقلب عليك أسداً هصوراً، وهذا ما سيحصل بالضبط فيما لو شن النظام معركة في إدلب.

قد يقول قائل: إن فصائل إدلب دخلت فيما بينها معارك طاحنة، والنظام سيستغلّ هذه الناحية لإضعافها جميعاً. وهذا كلام صحيح نظرياً، غير أن الواقع سيجبر الفصائل المتناحرة على الوقوف في جبهة واحدة لصدّ العدو المشترك المتمثل بنظام الأسد ومليشيات إيران، حين تصبح المعركة وجودية فلا مجال البتة للتناحر الفصائلي.

العامل الثالث:

من المعلوم أن تركيا تُعد من أكثر الأطراف الإقليمية حساسية تجاه الوضع في منطقة إدلب، ولهذا حرصت أنقرة على إدخالها ضمن اتفاقيات خفض التصعيد، وهذا ما حدث بالفعل في الجولة السادسة من اتفاق أستانا منتصف أيلول 2017، وبناء على ذلك قامت القوات التركية بوضع نقاط مراقبة في ريف المحافظة.

لا شك أن وجود نقاط المراقبة التركية في إدلب يشكل عائقاً حقيقياً أمام شن أي هجوم عليها خارج إرادة أنقرة، وقد بين المسؤولون الأتراك مراراً أن فتح معركة في إدلب لا يخص إدلب وحدها، بل هو أمر يتعلق بالأمن القومي لتركيا، أمام موجات مليونية من النازحين سيتوجهون إلى الحدود، أو على أقل تقدير إلى منطقة درع الفرات الواقعة تحت الإشراف التركي.

أمس السبت نقلت وكالة رويترز أن الرئيس التركي حذّر نظيره الروسي من تقويض اتفاق أستانا بهجوم على إدلب، وهذا يعد أول تصريح رسمي تركي على الأنباء التي تفيد بقرب فتح معركة إدلب.

العامل الرابع:

لا يتعلق هذا العامل بالناحية العسكرية فقط، بل يتعلق بالحاضنة الشعبية في إدلب، التي تعد من أولى المحافظات التي ثارت على الأسد عام 2011، والتي تحوي أكبر نسبة منشقين من السلك العسكري لدى النظام، والتي يقطن فيها اليوم مئات آلاف النازحين الذين عرضت عليهم فيما قبل المصالحات والتسويات ورفضوا ثم توجهوا إلى إدلب. هذا يعني أن سكان المحافظة حسموا خيارهم بالعيش بعيداً عن حكم آل الأسد، وبالتالي هم لا يتخيلون عودة مدنهم وقراهم تحت حكم النظام، وهذا وحده يشكل دفعاً معنوياً كبيراً لدى المقاتلين، الذين لن يدافعوا عن أنفسهم فقط، بل سيدافعون عن أهل وأقارب ليس لهم وجهة للنزوح، ولا يتخيلون فكرة العودة إلى قضبان الأسد.

العامل الخامس:

في واقع الأمر لا تشكل إدلب أي أهمية استراتيجية بالنسبة لنظام الأسد، لا اقتصادياً ولا عسكرياً، لعدم تحكمها بطرق يمكن أن تقطع خطوط إمداده، ولأن معابرها تطل على الدولة التركية التي لا تربطها بنظام الأسد أصلاً أي علاقات. ولهذا فمن المستعبد أن يقحم النظام نفسه في معركة باهظة الأثمان للسيطرة على إدلب.

خطط النظام تجاه إدلب:

أمام المعطيات السابقة يمكن القول إن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين غير قادرين على فتح جبهة إدلب، وإن مسألة قياس إدلب على ما حصل في درعا وحمص ضرب من الجنون، ولهذا فهم يحبذون فكرة السيطرة عليها لكن ليس بالقتال، إنما بالطرق التالية:

الأولى: هو "الحرب النفسية" التي استخدمت من قبل في مواطن أخرى، ويريدون الآن تطبيقها في إدلب، ومن مقوّماتها تداول أخبار تدل على قوة النظام، أو أنباء تدل على أن تركيا تخلّت عن إدلب وفق اتفاقات مع روسيا، ولا شك أن مثل هكذا أخبار ستقوم بإحباط المعنويات وكسر الدفاعات وإحداث بلبلة لدى ملايين المقيمين في إدلب.

الثانية: اللعب على العامل الأمني، وإحداث فوضى شبيهة بموجة الاغتيالات التي تبنى بعضها تنظيم الدولة، فيما لا يساور أحداً الشك بأن من يقف خلفها هو نظام الأسد، الذي يريد عن طريق إحداث هذه الفوضى تهيئة الطريق لعودته إلى المحافظة، واستغلال قصة "الأمن والأمان" التي ساوم السوريين عليها منذ بدء الثورة.

الثالثة: القتال الداخلي.. الذي عوَّل النظام عليه كثيراً ولا يزال، والذي يفترض إزالة أسبابه بشكل قطعي لا رجعة فيه، واستغلال الظرف القائم لرد خطر يتهدد الجميع ولا يخص فصيلاً بعينه، في حال نجحت مخططات الأسد في إدلب فلن يفرق بين فصيل وآخر، فالجميع "إرهابيون" لديه ولدى سيّده بوتين، وقد تكون الفرصة سانحة أكثر من ذي قبل لنبذ الخلافات، وقلب الطاولة على مخططات النظام والانتقال ربما من الدفاع والتحصُّن في إدلب إلى فتح ثغرات في جبهات ثانية.  

الرابعة : ضفادع المصالحات.. الذين ينتشرون عادة مع لحظات الوهن والضعف، ويستغلون الجرائم الوحشية للأسد والاحتلال الروسي لترويج فكرة الاستسلام والإذعان. يجب التنبه لهؤلاء، والتعامل معهم كعملاء لنظام الأسد، فهم كحصان طروادة، يستخدمهم الأسد حين يعجز عن الحسم العسكري.

الواقع العسكري والمنطقي لا يخرج عما ذكرناه في السطور السابقة، ولا ينبغي هنا أبداً الالتفات إلى "نظرية المؤامرة" التي سيطرت على عقول السوريين مؤخراً، والتي تقول إن الأسد باقٍ وإن القوى الكبرى قررت مساعدته على استعادة كامل سوريا، فالثورة حين قامت لم يكن القرار الدولي موجود أصلاً، والصمود الأسطوري والإصرار التاريخي للسوريين هو من أجبر العالم على التخطيط والتخبط، وهو كذلك ما يمكنه إفشال أي مخططات تخص مستقبل سوريا بعيداً عن إرادة شعبها.