الثلاثاء 2018/05/08

لن تنتصر الثورة السورية بما بدأت ولو جمعتنا !

في العام 1945 انتهت الحرب العالمية الثانية وانقسم العالم إلى قطبين يحكمانه، القطب السوفيتي والقطب الأمريكي ، دخل القطبان حربا باردة لاقتسام النفوذ في العالم عامة والمنطقة العربية بشكل خاص ، ترافق ذلك مع إعلان فلسطين وطنا قوميا لليهود ودُفنت أحلام حليفهم الشريف حسين في أن يكون ملكا على العرب ، لتتقسم المنطقة إلى ممالك وقوميات ، في العام 1952 تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي كحركة قومية علمانية أهدافه المعلنة الوحدة والحرية والاشتراكية .

لاحظ أنّ النخبة في ذلك الوقت قد صاغت القاعدة الفكرية للحزب بما لا يخرج عن نطاق ما سمح به ويخدم مصالح القطبين ، فالقومية كانت هدفًا استراتيجياً لهم بما تحققه من تقسيم للدول العربية "تركة الخلافة العثمانية" ، كذلك العلمانية والحرية بما تحققه من هدم للقيم في المجتمع وخلق للتناقض فيه ،أما الاشتراكية فهي الانحياز الأقرب لأحد القطبين ولطبيعة المجتمع السوري المسلم ، في حين بقيت الوحدة التي لم يتحقق منها شيء مصدر إلهام لأماني الشعب اللتي حولها الحزب نفسه إلى مجرد أحلام .

في الثورة السورية اليوم ، تعيد النخبة التي تصدرت العمل السياسي إنتاج تلك المرحلة مع فارق بسيط في أن العالم الآن يحكمه قطب واحد هو أمريكا وان ما تسمح به أمريكا الآن من أفكار ينحصر في :

1- الديمقراطية التوافقية أو التعددية : لتكرس التقسيم داخل الواقع السياسي المقسم اصلا وتدفع بالطائفية .

2- العلمانية والحرية : لتكرس وتحافظ على الإنفصام والتناقض داخل بنية المجتمع السوري والذي اسسته في المرحلة السابقة .

مرّة أخرى تلقفت النخبة هذا المسموح من الأفكار فصاغتها في أدبيات احزابها وتجمعاتها وأتلافها وفصائلها ، حتى بات واضحًا اليوم لكل مبصر أن القاسم المشترك لكل هذه التجمعات على اختلاف مسمياتها وتشعب غاياتها إنما هو تبنيها لهذه الأفكار من جهة وأن الدعم الأمريكي والغربي لها دون غيرها من جهة أخرى ، ولعله لا يخفى على القارئ أن هذه الأفكار ( الديمقراطية التوافقية ، الحرية العلمانية ) هي ما سيخلق الأرضية محل التلاقي السياسي بين هذه التجمعات والعصابة الأسدية في مرحلة لاحقة جاري التحضير لها ، ليكون هذا غاية ماتريده امريكا من الشق السياسي في المعارضة .

ناهيك عن أن هذه الأفكار ستفرغ الثورة السورية من معناها في أنها انقلاب مجتمعي على واقع يئست من إصلاحه إلى واقع جديد يحقق طموحه ، لذلك فإن الشعار الذي أطلقته الثورة السورية في بدئها " إسقاط النظام " لم يعد اليوم هدفا استراتيجيا يحقق غايتها ويجمعنا بل تحول إلى مطلب سياسي مرحلي نختلف عليه ولا يمكن أن يتحقق إلا بإسقاط كل تلك القوى في جسد الثورة اللتي بما تبنته من هذه الأفكار المسموحة لأعداء سموهم أصدقاء كانت عاملا رئيسا في تراجعها ، وهو ما عبر عنه ديمستورا بعد أن نجح فيه فقال " لا مكان اليوم لمن يشترط إسقاط النظام ".

بدأ الدفع لتشكيل تجمعات وكتل بحجة "التوحيد" للخلاص من هذا الواقع ، وبدأت تعلو الأصوات لتضخم أخطاء المعارضين لهم ، المهم ان نجتمع المهم أن نشكل جسما يعبر عن مايريدون ؟! يقولون حقا ويريدون باطل فيخلطون السم بالعسل.

لا أظن أحدًا منا لم يردد يوما بيت الشعر الذي يقول :

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ... و إذا افترقن تكسرت آحادا

ليدلل على أنّ الحل في حالة الضعف هو الاجتماع ، لكن البعض لم يدرك معنى الاجتماع فظن أن أي اجتماع سينتج قوة وهذا غير صحيح , فاجتماع السهم الخشبي إلى آخر كرتوني أو بلاستيكي او حتى نحاسي لن ينتج القوة التي نريد وسيبقى الضعف في اختلاف المادة وطبيعتها باب اختراق قوتها ، وهنا الفرق بين الاجتماع والتجميع ، فإذا أسقطنا هذا على البشر وعلمنا أن فكر الإنسان وما يؤمن به هو مايحدد طبيعته فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أن اختلافنا على الأفكار وان تَجَمعنا لن ينتج القوة التي تحقق غايتنا ، ولعل هذا ما يفسّر كثرة الاجتماعات وفشلها المتكرر.

ختاماً: إذا بقيت النخبة في الثورة السورية تتبنى فقط ما يسمح لها من أفكار لتتجمع عليها فإنها قد تنجح لاحقا بما لديها من دعم أو ما تقدم من تنازلات في خلق استقرار يستمر لخمسين سنة او ربما أقل أو أكثر , يتضخم فيه التناقض ويكبر داخله الاختلاف ليقتتل عليه أبناؤنا أو ربما أحفادنا مرة أخرى في المستقبل ، ولكنهم بهذا يكونون قد أهدروا كل التضحيات وقتلوا كل الأمل ,وكتبوا أنفسهم مع البعث سبة ولعنة في التاريخ ،كما أنني إذ أشير إلى ضرورة خلق فكر يجمعنا لا أقصد فكرا بعينه دون آخر وإنما أقصد الفكر الذي يحقق مصلحتنا ويحفظ تضحيات ثورتنا ويضمن استقرارنا ويؤمن مستقبل أبنائنا رضيت به الدول أم لم ترض .