الأثنين 2020/11/30

لمواجهة تركيا.. 4 دول عربية تحاول إعادة تأهيل النظام وخلق مسار جديد للحل بسوريا

تدل المؤشرات الحالية والحراك الأخير حول سوريا بوجود مسار جديد للحل، تقوده الإمارات مع 3 دول عربية أخرى، ويبدو أن الهدف منه مواجهة تركيا وإعادة تعويم نظام الأسد رغم قربه من إيران.

ونشر مركز "نورس للدراسات" تحليلاً أشار فيه إلى أنه وبعد التطبيع الإماراتي البحريني مع "إسرائيل"، وقبله تطبيع تلك الدولتين علاقاتها مع النظام، ثم الاجتماعات المتكررة بين الإماراتيين والإسرائيليين يبدو أن الإمارات حصلت على ضوء أخضر من "إسرائيل" لإعادة تأهيل الأسد، حيث دعت لاجتماع مسؤولين من وزارات خارجية مصر والسعودية والإمارات والأردن قبل ايام لبحث الملف السوري.

ويبدو أن أهم ما في الاجتماع حسب المركز فتح مسار سياسي جديد منفصل عن مسار الأمم المتحدة، بهدف إضعاف المسارات الدولية الأخرى، خاصة أن وكيل الإمارات والأردن "خالد المحاميد" (نائب رئيس هيئة التفاوض والتي أسستها السعودية والإمارات ومصر وروسيا) غرّد بعد هذا الاجتماع مباشرة بـ "ضرورة ظهور جسم جديد يُعبّر عن طموح وآلام السوريين بعيدا عن الأجندات الدولية والإقليمية ويستعيد القرار السوري ويدفع بالحل السياسي"، وقبلها بأسابيع غرد المحاميد بضرورة تحريك "الدور العربي" في الملف السوري، وهو طلب يعلم الجميع أنه دعوة للمضي قدمًا خلف الإمارات والأردن والسعودية في تسليم الملف السوري كاملاً لنظام الأسد، كما فعلوا مع الجنوب السوري.

ورجح المركز احتمال قيام وكلاء الإمارات والأردن والسعودية الذين سلموا الجنوب السوري إعادة تسليم الملف السياسي كاملاً لهذه الدول، وهو ما سيفرز إعادة تشكيلات سياسية من المحسوبين على الثورة بعد فشلهم مؤخرًا بدعم من الإمارات في تشكيل كيان عسكري موازي للجيش الوطني.

وتساءل المركز عن احتمالية دعوة الإمارات لوزير خارجية الأسد فيصل المقداد لحضور اجتماع علني مع شخصيات من "المعارضة" في عاصمة عربية قريبًا لخطف مسار الأمم المتحدة.

ومما يدعم التحليل السابق ما ذكره خالد المحاميد في آخر ظهور له على قناة "العربية" السعودية مؤخراً، وقال فيه إن "هناك طرفين من النظام والمعارضة يتصدران المشهد السياسي وكلاهما لا يريدان حل سياسي"، ومن المثير للسخرية أنه نسب نفسه كمعارضة قائلاً : " كيف نقبل نحن كمعارضة باللجنة الدستورية وهي تضم من شارك بالعمل المسلح"، وشن المحاميد هجومًا لاذعاً على الجيش الوطني السوري والأطراف المحسوبة على الجانب التركي في هيئة التفاوض والتي زعم أنها هي من تعرقل الحل السياسي! .

ولم يكتف المحاميد بذلك، بل قال إن لروسيا الفضل الكبير في تنظيم مؤتمر سوتشي، وأضاف : " نحن نعول على الدور العربي وعلى حراك الإمارات والسعودية ومصر والأردن الأخير لإنقاذ الشعب السوري"، وهو ما يدعم التحليل الأخير.

كذلك موقع "القدس العربي" تطرق إلى هذا الأمر وقال إنه وفي أول لقاء عربي من نوعه، جمع بين أربع دول تتقاطع مصالحها في المرحلة الراهنة، حول إعادة تأهيل النظام، ومواجهة ما يوصف بأنه "تدخل تركي" في الشأن السوري، استضافت القاهرة في 26 من نوفمبر تشرين الثاني/ اجتماعاً رباعياً جمع مسؤولين من وزارات الخارجية لكل من مصر والسعودية والإمارات والأردن لمناقشة الملف السوري.

وأكدت وزارة الخارجية المصرية بعد اللقاء، في بيان رسمي، أن الاجتماع ركز على بحث طرق تسوية «الأزمة السورية» وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254. حيث توافقت الدول الأربع على مبدأ رفض الدورين التركي والإيراني في سوريا، في حين أن بعضها يبدي مرونة تجاه النظام، حيث أعادت الإمارات نهاية عام 2018 افتتاح سفارتها في العاصمة دمشق، فيما تجري مصر تنسيقاً وتواصلاً أمنياً مع استخبارات النظام ، دون إغفال جهودها المكثفة منذ عام 2018، من أجل استعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية، دون تحقيق أي جدوى بسبب الموقف الصارم الذي كانت تتبناه الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب حول فك عزلة النظام.

وفي محاولة سعودية، لمعاودة تحريك النشاط السياسي، بعد حياد وصمت دبلوماسي، بهدف مشاطرة، أو سحب البساط من تحت الفاعل التركي الرئيسي، الداعم للمعارضة السورية، استضافت العاصمة السعودية الرياض مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، حيث ناقش مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، العملية السياسية، وكتب بيدرسون على موقع «تويتر» أنه تبادل مع الوزير السعودي «الآراء حول الوضع على الاتجاه السياسي وآفاق التقدم بالعملية السياسية في سوريا» وأضاف: «نواصل بحث مدى تقدمنا نحو تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وسبل المضي قدماً بذلك».

وما يثير الشكوك، حول هدف هذا الحلف المؤقت الذي فرضته المصالح، بقيادة المملكة العربية السعودية، هو توقيته بالنسبة لانعقاد الجولتين الرابعة والخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في العاصمة السويسرية، جنيف، إذ تقرر انطلاق أعمال الجولة الرابعة الاثنين 30 نوفمبر / تشرين الثاني حتى 4 ديسمبر /كانون الأول، على أن تليها الجولة الخامسة في يناير/ كانون الثاني من عام 2021، حيث أعلنت الأمم المتحدة رسمياً، والمكتب الإعلامي للجنة الدستورية، الدعوة لاجتماع أعضاء الهيئة المصغرة للجنة، 15 عضواً من كل فريق، يوم الاثنين، في مقر الأمم المتحدة، لمدة أسبوع، وستناقش الهيئة المصغرة خلال هذه الجلسات جدول أعمال الدورة الثالثة، حول الأسس والمبادئ الوطنية. وتناقش الجلسة الخامسة، المبادئ الدستورية «الأساسية للدستور السوري».

الخبير السياسي والاستراتيجي، د. فايز الدويري، من الأردن عبر عن أسفه لمشاركة الدول الأربع في اجتماع لبحث ملف هي أصلاً غير فاعلة فيه. وقال الدويري لـ "القدس العربي": «للأسف الدول التي اشتركت في ذلك اللقاء، جميعها ليست فاعلة بصورة كبيرة في الملف السوري، فاللاعبون الرئيسون هم روسيا وتركيا وايران وأمريكا من المقعد الخلفي».

وحول قدرة الدول الأربع، التي تقاربت تحت حكم ظروف الواقع رغم ما بينها من تناقضات سياسية، في إحراز تقدم ملموس في التسوية السورية، قال الدويري «لا أتوقع أنهم يستطيعون أن يقدموا حلاً ناضجاً في الملف السوري، بمعزل عن الدور التركي أو الروسي أو الإيراني أو الأمريكي».

لا يقدم ولا يؤخر:

وأجاب الدويري، عن دعم بعض هذه الدول، النظام وافتتاح أو تفعيل السفارة في العاصمة دمشق، حيث قال الخبير الاستراتيجي «ذلك لا يقدم ولا يؤخر، فهذه أجندة لمواجهة تركيا فقط، وليس لحل الأزمة السورية، لو أرادت هذه الدول الأربعة حل الأزمة لاستطاعت فعل ذلك وتمكنت من حلها من عام 2012 و2013». وأبدى د.فايز الدويري، اعتقاده أن هذا الاجتماع ليس أكثر من تحالف هذه الدول لمواجهة ما يقال لأنه التدخل التركي، في الشأن السوري، علما أن تركيا عندما تدخلت، كان ذلك وفق رؤية واضحة محددة، ونفذت أربع عمليات عسكرية بدءا من درع الفرات مرورا بغصن الزيتون ونبع السلام وليس انتهاء بدخول ادلب» وتساءل «أين كانت هذه الدول وما هي الاجراءات التي اتخذت لمواجهة تركيا إن كانوا جادين في ذلك».

وأكد الخبير أن هدف الدول الأربع المجتمعة تقاطعت عند «إعادة تأهيل النظام السوري» معتبراً أن الاجتماع لا يعدو كونه «تصريحات إعلامية لن تقدم ولن تؤخر، ولن يستطيعوا أن يغيروا أي شيء في الواقع السوري، ما لم يتم التوافق مع تركيا وروسيا بصورة رئيسية، وإيران بصورة جزئية، وكل ذلك تحت المظلة الأمريكية».

كما اعتبر الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي أن هذه الدول لا يمكن لها أن تبني سياسات مستقلة في الملف السوري، معتبراً أن الاجتماع عُقِدَ بهدف بحث سبل فك العزلة عن النظام .

وقال الباحث السياسي، للقدس العربي، إن سياسات الدول الأربع التي اجتمعت محكومة بمقررات المجموعة المصغرة حول سوريا، والتي أكدت مجدداً في بيانها الأخير الصادر في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضرورة أن تكون العملية السياسية مطابقة لما جاء في قرار مجلس الأمن 2254 (2015) بما يشمل عودة آمنة للاجئين وإجراء انتخابات ضمن بيئة آمنة ومحايدة، وبالتالي، لا يُمكن لهذه الدول تبني سياسات مستقلة، بل العمل على هامش سياسات المجموعة المصغرة التي تشارك فيها السعودية والأردن ومصر.

تراجع سعودي:

ورجح عاصي أن يكون الاجتماع قد ناقش فك العزلة عن النظام لا سيما مع قرب انتقال السلطة في الولايات المتحدة إلى إدارة الرئيس جو بايدن. وأضاف «في حال أولت إدارة بايدن مزيداً من الاهتمام بالدبلوماسية وأدواتها في قضايا المنطقة بما فيها سوريا، فقد يشجع الدول العربية على توسيع هامش التحرك بما يُتيح إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية».

الخبير السياسي والقانوني محمد سليمان دحلا نظر إلى الاجتماع من حيث ارتباطه بنتائج الانتخابات الأمريكية والتي ستفضي إلى تسلم جو بايدن والديمقراطيين للإدارة الأمريكية، وقال دحلا لـ"القدس العربي": "بدأت تظهر ملامح الإدارة الجديدة على مستوى الأشخاص والحقائب وهنالك قراءات حول بعض التغيرات في السياسة الأمريكية في المنطقة عموماً والتي ينعكس كل ما يجري فيها على الملف السوري، فمن المتوقع أن تكون للإدارة الجديدة سياسة مختلفة تجاه الأطراف الدولية الفاعلة على الساحة السورية وهي إيران وروسيا وتركيا، رغم عدم توقع سياسات مختلفة كثيرًا بشأن معالجة الملف السوري نفسه بعيدًا عن سياسة العقوبات».

وأضاف دحلا "لقد أدت تفاهمات كيري – لافروف في عهد إدارة أوباما وما نتج عنها من إعادة الجنوب السوري لسلطة النظام وانحسار المعارضة إلى الشمال السوري حيث النفوذ التركي وبالتالي تراجع الدور العربي في التأثير في الملف السوري ومسار الحل السياسي مما أفقد الدول العربية أوراق التأثير وسبب لها إرباكاً كبيراً في مقارباتها للشأن السوري بل ذهب بعضها إلى محاولات لإعادة تأهيل النظام الأسدي وهي محاولات وقفت لها إدارة ترامب بالمرصاد".

ورجح المتحدث احتمال عودة دور أمريكي أكثر تأثيراً في الملف السوري وهو ما يفترض وفق رؤيته، تنسيقاً عربياً لاستعادة الدور العربي من بوابة الجنوب السوري، لاسيما أن الدول الأربع المذكورة لديها قلق ليس من تزايد النفوذ الإيراني وحسب وإنما التركي أيضاً، وأضاف «يبدو أن الإدارة الجديدة -التي تعتبر امتداداً لإدارة أوباما – ومن خلال تصريحات بعض أعضائها التي عبرت عن الندم والشعور بالمسؤولية عن ازدياد معاناة الشعب السوري وفشل روسيا في التفويض الممنوح أمريكياً سواء في اتجاه الحل السياسي أو في اتجاه تقليص النفوذ الإيراني وإبعاد ميليشيات إيران عن الجنوب السوري".

وأبدى دحلا اعتقاده أن مصالح هذه الدول التي تتقاطع مع النظام بشأن النفوذ التركي، هي بلا شك تتعارض معه بشدة بخصوص النفوذ الإيراني، لذلك تحاول تلك الدول أن تلعب دوراً في الحل السياسي.