السبت 2017/08/26

لا يضر السوريين سلخهم بعد ذبحهم !

قُتلت مدينةُ حلب قبل نحو عام بسكين الأسد والروس والإيرانيين، وقبلها بثلاثة أعوام قُتلت حمص بذات السكين، والغوطة اليوم على مقصلة الأسد لم يبق ما يفصل عنقها عن جسدها سوى شَرْطةٍ صغيرة بسكين، وفي ذات الوقت تعيش الرقة طقوساً يوميةً من الإبادة الممنهجة بنيران التحالف و"قسد" تجعلها قريبة من أن تكون جثة هامدة لتلتحق بتلك المدن التي قُتلتْ قبلها، ولم يفكرْ أحد بمحاسبة أي من هؤلاء القتلة السفاحين.

لم يبق لتلك المدن المقتولة سوى الذكريات التي وثّقت لحظة الموت والدمار على مواقع التواصل الاجتماعي، ولَكَمْ جازف الناشطون السوريون بتصوير تلك المقاطع قبل وبعد حدوث المجازر والقصف، رغم ما يكتنفها من مخاطر الموت المُحتَّم، مؤمّلين أن تشكل تلك الجرائم حافزاً لمحاسبة الأسد وغيره ممن أجرموا وسفكوا الدم السوري، لكن ذلك ما لم يحصل رغم وقوع مذابح يندى لها جبين الإنسانية، وعاش السوريون فصول مسلسلات متتالية من خذلان وغدر لا نهاية لحلقاتها من أقرب الناس إليهم وأبعدهم ممن ارتدی رداء الأخوة والصداقة الحميمة، حتى وصل الحال ببعض المحسوبين على المعارضة من عسكريين وسياسيين هتفوا مع الثورة أولاً أن عادوا إلى أحضان الأسد مؤخراً، ودولٌ عظمى قالتْ لا مستقبل لسوريا مع بشار الكيماوي لتنقلب اليوم رأساً على عقب وتتراجعَ عن موقفها، مسجلة طعنات متتالية في جسد تلك المدن المقتولة.

اليوم تتلقى تلك المدن طعنة جديدة لكن من نوع آخر، إذ فوجئ الناشطون السوريون الذين جازفوا بحياتهم لرفع مقاطع انتهاكات المجرمين بحق الشعب السوري على موقع يوتيوب بإقدام الموقع على حذف آلاف الفيديوهات التي توثق مجازر الأسد وروسيا وإيران وأمريكا وغيرهم من الأطراف المجرمة بحق السوريين، وذلك بعد أن فعَّلَ ميزةً جديدة يتم من خلالها التعرف على المحتوى وإزالته آلياً بمزاعم انتهاك الإرشادات وشروط الرفع.

ولا غرابة في أن يُقدمَ "الموقع الأمريكي" على طمس تلك الجرائم إذ إن الولايات المتحدة نفسها ضليعة بقتل آلاف المدنيين بسوريا والعراق فسعى اليوتيوب إلى تبديد جرائمها، بينما ركّز على إبقاء مشاهد يظهر فيها التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بمظهر المحارب للإرهاب، لكن وإن فوجئ السوريون بتلك الخطوة إلا أنهم لن يتألموا لذلك كثيراً، فهم تعودوا على تلقي الطعنات كما قلتُ من القريب والبعيد ، وماذا صنعت كل تلك المقاطع طيلة وجودها وحصدِها ملايين المشاهدات علی موقع يوتيوب سوی الربح المالي للموقع، هل حركت مشاهد الكيماوي المفجعة ضمير الغربيين كي يهبوا نصرةً للسوريين؟، أم ماذا صنعت مشاهد توثيق اللحظات الأولی للبراميل والغارات الروسية التي كانت تنهال علی أحياء حلب الشرقية في كل لحظة منتزعة أرواح العشرات يوميًا؟ أم هل التفت أحدٌ ما يا تری إلی مقاطع الفيديو التي تأتي في هذه الأيام من مدينة الرقة توثق ما يجري من مذبحة التطهير العرقي الديني لأهالي المدينة الذين يذوقون كل يوم صنوفاً شتی من العذاب والتنكيل والحرق وسعى جاداً إلى إيقافها؟

قديماً قالوا لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، واليوم أصبح حال معظم الشعوب العربية التي خرجت تنشد الحرية والعيش الكريم كحال تلك الشاة، ولا سيما السوريون الذي جرى لهم ما لم يجر لغيرهم من ظلم واضطهادٍ وقتل وحرق يعد واحداً من أكبر جرائم القرن الحادي والعشرين، على مرأى أصدقائهم الوهميين، وما حذفُ اليوتيوب مقاطع مأساة مدنهم المقتولة إلا طعنة عابرة في جسد تلك المدن قد تتلوها طعنات أخرى تبدد زيف كل شعارات الإنسانية وحقوق الإنسان...