الأثنين 2019/05/27

لا أحد يريد الحرب.. لماذا كل هذا التحشيد ضد إيران؟

لا حرب ولا سلام.. هذا هو باختصار واقع الحال بين إيران والولايات المتحدة، منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وتشديد العقوبات على طهران.

الحديث عن جدلية العلاقة بين واشنطن وطهران قد يطول إلى ما لا نهاية، ولعل أقرب التحليلات إلى المنطق لا يستطيع على أية حال الوصول إلى كُنه العلاقة بين دولتين تتبادلان المواقف العدائية منذ عقود، بينما تجمعهما ساحات ومصالح كثيرة.

هل سنشهد حرب خليج رابعة؟

السؤال الذي يطرحه الجميع اليوم.. هل واشنطن جادة هذه المرة في كبح إيران؟ وهل تلك الحشود في مياه الخليج والحديث عن استدعاء 1500 جندي أمريكي مؤشر على حرب خليج رابعة؟

ما يجري على الأرض كله يوحي بالتحضير لحرب، وهذا أمر لا ينكره عاقل، وهذا بالضبط ما أرادت الولايات المتحدة أن تقنع به دول المنطقة على الأقل، غير أن معظم المراقبين والخبراء يؤكدون استبعاد نشوب الحرب في هذا التوقيت الذي يسعى فيه ترامب إلى تمرير ما يعدّه الإنجاز الأقوى في ولايته الرئاسية، وهو خطة السلام في الشرق الأوسط المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، والتي قال مستشاره وصهره كوشنير، إن واشنطن ستعلنها خلال مرحلة قصيرة بعد انقضاء شهر رمضان.

ناهيك عن أن الولايات المتحدة حين تنوي على حرب فإنها لا يمكن أن تدخلها بشكل منفرد، وهي التي اعتادت في تاريخها الحديث عن تشكيل تحالف عسكري كما فعلت في العراق وقبله أفغانستان، ومؤخراً في الحرب ضد تنظيم الدولة، أما في حالة إيران في الوضع كما هو واضح مختلف.

صحيح أن تصريحات الطرفين تحمل طابعاً تسخينياً بعض الأحيان، غير أن سياسات هكذا دول تقتضي بشكل أو بآخر تقاسم الأدوار والتصريحات بين شد وجذب، ففي إيران يخرج مسؤولو الحرس الثوري الإيراني كل يوم ليهددوا القوات الأمريكية بالويل والثبور في حال قيام الحرب، بينما تحمل تصريحات وزير الخارجية جواد ظريف طلبات الحوار والتهدئة بشكل غير مباشر. والأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة، التي تتراوح تصريحات مسؤوليها بين الشد والجذب. على العموم الكل يقول إنه لا يريد الحرب، حتى ترامب نفسه صرح قبل يومين بأنه لا يمكن أن يقود بلاده إلى الحرب وهو الذي يسعى إلى سحب جنوده من عدة مواضع في العالم، وفي آخر تصريحاته من اليابان أكد أن الولايات المتحدة لا تريد تغيير النظام الإيراني القائم.

لماذا التحشيد الإعلامي إذاً؟

ما يجري هو أن الولايات المتحدة تريد عبر ما تفعله اليوم تحقيق عدة أهداف وضرب عدة عصافير بحجر واحد.

هي أولاً تريد حماية عقوباتها ضد إيران، من خلال تسليط سيف التدخل العسكري في المنطقة، والذي يعني بشكل أو بآخر ليس إخافة إيران وحدها، بل كذلك تخويف من يفكّر بخرق تلك العقوبات.

ثانياً.. بالعودة إلى ما جرى الحديث عنه حول "صفقة القرن" فإن ما يجري لا يبتعد كثيراً عن هذه الصفقة، فالولايات المتحدة صاحبة خطة السلام المقترحة، تريد إيصال رسالة أيضاً لدول المنطقة، مفادها أن الوقوف بوجه تمرير الخطة لن يقابل بالدبلوماسية والحوار، عصر الدبلوماسية لدى ترامب ولى، فالرجل لديه القوة، ومن يمتلك القوة ليس بحاجة إلى المداراة والترفق ( هذا وفق منطق ترامب طبعاً).

ثالثاً.. ما يجري اليوم من توتّر بين واشنطن وطهران ثمة طرف يدفع ثمنه دون أن يحصل على أي شيء. يجب أن نضع بالحسبان أن ترامب يذكّر دول الخليج بين الحين والآخر بأنه هو من يحميها، والحماية لها ثمن، فالأمر إذا مواصلة لحالة الاستنزاف لمقدرات الخليج تحت ذريعة التخويف من الوحش الإيراني. قبل يومين فقط أقرت واشنطن مبيعات أسلحة للسعودية والإمارات بقيمة 8 مليارات دولار، وكان التبرير أن الصفقة لحماية الدولتين من الخطر الإيراني.

ربما يستمر التوتر القائم أسابيع أو شهوراً، لكن الحرب التي ينتظرها بعض العرب بين إيران والولايات المتحدة لن تأتي، لأن إيران ستحاول من جديد إبعاد الخطر عنها عبر قنوات الدبلوماسية من جهة وتكتيك خلط الأوراق من جهة أخرى.