الأحد 2018/06/03

كيف خدع الأسد العالم: أخرجوا “داعش وإيران”.. واتركوني

يحكى أن جارا لجحا يعاني ضيق الدار وشكوى دائمة من زوجته لهذه الحال، وحين طلب النصيحة من جاره "جحا" أشار عليه أن يشتري دجاجا ويضعه في داره الضيقة وألا يناقش في التنفيذ، بعد أيام جاء الرجل إلى حجا يصيح مما حل به ويطلب الحل .. حينها أشار عليه جحا بشراء خروفين ووضعهما مع الدجاج في الدار، فازداد حال الرجل سوءا فوق السوء، وهنا طلب منه "الحكيم جحا" شراء بقرتين أيضا.

مضى على نصائح جحا نحو شهرين من الزمان، وحالة الرجل صاحب الدار الضيقة تزداد سوءا، فتوجه إلى جاره جحا ليخبره أن صبره نفد على تلك الحالة، وأن نصيحته لم تفلح في حل معضلته، وهنا قال له جحا .. عليك الآن أن تبيع الدجاج والخروفين والبقرتين . جاء الرجل في اليوم التالي إلى جحا شاكرا له حسن النصيحة. لأنه أحس بعد بيع الحيونات بأن داره الضيقة أصبحت كالقصر الواسع.

هذه الحكاية تنطبق تماما على ما جرى في سوريا منذ 2011 حتى الوقت الحالي، فنظام الأسد بمساعدة المجتمع الدولي طبق على السوريين نصيحة "جحا" مع جاره صاحب الدار الضيقة.

السوريون حين خرجوا في الميادين والساحات يهتفون بإسقاط نظام الأسد لم يكونوا قد عرفوا تنظيم الدولة، ولم تكن إيران قد تغلغلت في الأرض السورية وأنشأت هناك القواعد ومئات المليشيات .. لم يكن ثمة آنذاك سوى بطش نظام الأسد، والقبضة الأمنية المتحكمة بكل مناحي الحياة.

بعد وقت قصير من اندلاع الثورة ساعد الأسد تنظيم الدولة على الظهور، وأعطاه الفرصة المناسبة ليكون رقما إشكاليا في الوضع السوري، وليحقق دعاية وصفه الثورة بالإرهاب. صارت "داعش" مالئة الدنيا وشاغلة الناس، وتناسى العالم جرائم بشار الفظيعة، وصار التركيز فقط على ما يمارسه تنظيم الدولة في المدن التي يسيطر عليها، وكيف يتفنن عناصره بعمليات الإعدام. ظهر للمجتمع الدولي حينها أن بشار الأسد ليس هو المشكلة في سوريا، بل المشكلة هي محاربة تنظيم الدولة وطرده والقضاء على قدراته، ونجح النظام في تغيير وجهة النظر الغربية، وصار رحيله عن الحكم ليس أولوية، بل الأولوية هي "محاربة داعش".

لعلنا لا نجانب الحقيقة إن قلنا إن بعض السوريين كذلك نسي لماذا قامت الثورة، وبدا الأمر بالنسبة إليهم حربا حقيقية بين النظام والتطرف، وبات المهم إخراج "تنظيم الدولة" من المدن والقرى ولو كان البديل هو الأسد.

تحت ذريعة محاربة "الإرهاب والتطرف" أعلنت إيران تدخلها علنا ​​في سوريا عبر مقاتلين طائفيين تستجلبهم من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، إضافة إلى مقاتلي الحرس الثوري الإيراني الذي قاد معظم عمليات النظام العسكرية على الأرض، فيما كانت روسيا تدعمه جوا. وفي خضم الضعف الذي أصاب نظام الأسد والفوضى العسكرية في سوريا، أنشأت إيران القواعد العسكرية وأسست مكاتب للتجنيد وللتشيع ومعسكرات لتدريب المقاتلين.

الأسد قال للسوريين: هذا البديل عني .. "داعش" التي تعيد حياتكم إلى العصور الوسطى، وإيران التي تستهدف تغيير عقيدتكم، وكأنه قال للعالم كذلك: هذا البديل عني .. "داعش" المتطرفة التي تستهدف مصالحكم وتهدد أمنكم، وإيران التي تهدد طفلكم المدلل "إسرائيل".

بعد أن استخدم بشار الأسد هاتين الورقتين صار حال بعض السوريين كحال جار جحا..المشكلة الرئيسية غابت عن الأذهان، وبات المهم كيف نخرج إيران من سوريا، وكيف نقضي على تنظيم الدولة. وليست المحادثات الحالية حول مصير الجنوب السوري سوى نموذج عن "نصيحة جحا"، فالجميع -على رأسهم تل أبيب- موافق على سيطرة نظام الأسد على محافظتي درعا والقنيطرة، مقابل خروج المقاتلين الإيرانيين من هناك.

غابت جرائم الأسد بحق السوريين، ولم يعد أحد يتذكر الصور الرهيبة التي سربها الضابط المنشق "قيصر" لعشرات آلاف المعتقلين الذين تعرضوا ل "هولوكوست منظم" في مسالخ الأسد البشرية وأقبية الموت .. العقاب على المجازر التي يستخدم فيها الأسد السلاح الكيماوي لم يعد سوى تهديدات خاوية، ورميات من الصواريخ الفارغة التي ينال النظام حصته الكافية من التنبيه والتحذير منها قبل أسبوع على الأقل من وصولها .. مصير بشار الأسد صار خارج بنود التفاوض في المؤتمرات والمحادثات واللقاءات الإقليمية والدولية.

الجميع اليوم - بما فيهم أشد أعداء الأسد- يريد لسوريا أن تكون خالية من تنظيم الدولة ومن إيران ومليشياتها، فإذا عادت سوريا دون هذين، صار الوضع كحال جار جحا حين باع الدجاج والأغنام والأبقار، وأحس بأن البيت صار واسعا، لكن الحقيقة أن البيت ظل على حاله ضيقا، كما إن المشكلة الرئيسية في سوريا هي وجود آل الأسد وزبانيتهم، وكل ما يخرج من ظواهر سلبية فهو انعكاس وارتداد لهذه المشكلة الأساسية، وأي حلول تتجاوز رحيل بشار الأسد، لن تكون سوى مسكن لألم مزمن، لا بد أن يشتعل من جديد.