الأربعاء 2017/02/22

كاسك يا أسد

الثورة.. ذلك الجنين الذي حمله رحم كل المحافظات السورية التي تتوق للحرية والكرامة وكسر نير العبودية للأسد وجلاوزته، حصل أن تمّت ولادته في درعا.. على أرض حوران الخير.

لم تكن أظافر أطفال درعا التي اقتلعتها أيدٍ تعرف معنى أن يُكْتبَ ضد طاغية على جدار المدرسة، سوى شرارة سرعان ما استعرت لظاها في كل شبر من سورية الحرة.

ست سنوات كانت كفيلة بولادة الجرذان والحيتان والأشباح والطفيليات في تربة لم تعرف على قرابة الخمسين سنة سوى الإخصاء والنبذ لكل من لا يرفع كأسه ليشرب نخب ذلّ الأسد، الذي سقَّى ونمَّى وعمل على تكاثر وانتشار الجرب والقمل في جسد الثورة البتول.

زناة كثر دخلوا أو أدخلوا عليها.. ضاجعوها.. فأصبحت حتى في نظر بعض المرجفين تحت مسمى ثوار.. عاهرة تباع وتشترى بدولار أو بعض أجزائه، درعا التي كسرت جدار الصمت، بدايةً، وبعد اشتعال معظم الجبهات فضّلت أن تغفو في أرض تملؤها العقارب والذئاب، ما دفع الكثير من الثوار لتصنيفها في سجل الخائنين ، متناسين ما قدّمته من الشهداء وماحل بأرضها وأهلها من التهجير والدمار.

سقوط حلب بتواطؤ روسي إيراني دولي، وسقوط بعض جبهات دمشق المشتعلة، دفع الثوار السوريين للنظر إلى نوم أو تنويم جبهة حوران على أنه خيانة وخذلان للخندق الثوري السوري.

سرعان ما تبدّد التخوين بعد أن جاء الموت معربداً معلناً نفسه البديل الوحيد عن المذلة السورية عامة و"الدرعاوية" بشكل خاص، فكانت معركة "الموت ولا المذلة" التي كانت صحوةً أعادت إلى الأذهان أصوات هتافات أهل درعا وريفها في بدايات الثورة *من حوران هلّت البشاير*

حي المنشية في درعا البلد الذي كان منطلقاً لغدر النظام وشبيحته على الثوار والأحرار الذي وقعوا على هدنة غير معلنة مع نظام لم يرع يوماً ذمة أو عهداً.

الموك.. رفض أن تشترك قوات الجيش الحر في المعركة وهدد بقطع التمويل عن الفصائل التي يدعمها في حال شاركت في معركة تحرير حي المنشية، وبالفعل قطع التمويل عنهم... وكاسك يا أسد الأردن "الشقيق" وقف في وجه معركة "الموت ولا المذلة" بخبث، فأغلق حدوده في وجه الجرحى والمصابين في المعركة، رغم أن معظمهم من المدنيين.. وكاسك يا أسد.

جيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم الدولة هاجم في بداية انطلاق المرحلة الثالثة قرى تسيل وجلين وأعلن سيطرته عليها وقطع رؤوس من اعتبرهم مرتدين لا لشيء سوى أنهم من عناصر الجيش الحر... وكاسك يا أسد.

روسيا ... التي أوغلت في دماء السوريين رفعت نخب الأسد في سماء حوران لتلقي طائراتها حمماً تضيف موتاً على الموت الذي رفض المذلة، مرددة كاسك يا أسد.

إيران فقدت قيادياً في الحرس الثوري، فدى الأسد بروحه أو فدى مصالح إيران في دولة دميتُها الأسد، سُمِعَ صوته قبل الموت يردد باسم إيران، كاسك يا أسد.

كأس الأسد التي طفحت بدماء السوريين الثائرين على ذله وذل أبيه لا بدّ أن تكسر وعلى يد أصحاب الدم، ولعلّ معركة حي من أحياء درعا تلخّص ثورة سوريا عموماً، فالقريب والغريب تآمر عليها، كلٌّ بمرجعيّته واعتباره.

هي معركةٌ وليست حرباً، إن خسرها ثوار درعا فقد نالوا الموت بعزة، ليبقى دم الشهداء تذكاراً يروي قصة معركة في حيّ فضّل أهله الموت على أن يشربوا "كأس الأسد" وشبيحته وحلفائه.