الخميس 2018/07/12

قمة هلسنكي.. تمهيد الطريق للحل السياسي في سوريا وفق الرؤية الروسية

كل الأنظار تتوجه إلى مدينة هلسنكي الفنلندية، التي تستقبل القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلادمير بوتين في الأسبوع المقبل، ومن المتوقع أن يكون الملف السوري هو الطاغي على باقي الملفات لأهمية ما سيتم التوافق عليه، ورجح مراقبون أن يتقدم الطرفان خطوة نحو الأمام في الملف السياسي إبان قرب انتهاء الملف العسكري، والذي باتت فيه جميع المناطق مهيأة لإقامة وقف إطلاق نار حقيقي مستدام تمهد لعملية سياسية مستمرة.

 

ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أخبر الصحفيين عبر الهاتف يوم الجمعة ٢٩ حزيران الماضي، أن بوتين وترامب سيجريان "نقاشاً تفصيلياً بشأن سوريا"، مضيفاً: "سيكون هناك نقاش مستفيض شامل".

 

طريق ممهدة لعقد اتفاق سياسي:

أحد أهم العوائق التي وقفت عقبة بوجه تقدم العملية السياسية في مدينة جنيف السويسرية منذ عام ٢٠١٦ هو استمرار القتال وصعوبة توقيع اتفاق إطلاق نار شامل بسبب تداخل مناطق المعارضة السورية والنظام، حتى مناطق "خفض التصعيد" الناتجة عن اجتماعات أستانا لم تقدم الحل للعملية التفاوضية.

 

ولكن اليوم بات الطريق ممهداً لعقد مثل هذا الاتفاق بعد تقسيم الأراضي السورية إلى ثلاث مناطق محكمة السيطرة، الأولى شرق الفرات برعاية أمريكية، والثانية في ريف حلب وإدلب بضمانة تركية، والأخيرة بالعهدة الروسية، كما إن جميع الأطراف منفتحة بشكل كامل على المضي في العملية السياسية حتى النهاية.

 

السير على خطا القرار ٢٢٥٤:

ويرجّح مراقبون أن تكون قمة ترامب - بوتين حاسمة في تحديد مستقبل الحل السياسي وفق الرؤية الروسية، ومؤثرة في القضايا التي سيتم بحثها في اجتماع سوتشي نهاية الشهر الحالي، وهي استمرار لعملية أستانا، التي تعول عليها روسيا في إعطاء دفع جديد لعملية سياسية تبدأ من صوغ دستور جديد.

 

ويرى محللون أن ما يجري من أحداث في سوريا لم يكن بتدبير روسي فقط، حيث إنه جاء مناسباً لتطبيق ما جاء في القرار الدولي بشأن سوريا ٢٢٥٤، وخاصة ما تضمنه البندان ١٣ و١٤ حول تطبيق البنود الإنسانية، والقاضية بوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة وإيصال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين.

 

وقال مصدر مطلع إن موسكو أنهت ملف المناطق المحاصرة بالقوة وأفسحت المجال أمام الإعلان عن وقف شامل لوقف إطلاق النار، والسماح لقوافل الأمم المتحدة للوصول إلى كافة المحتاجين، إضافة إلى قرب إصدار قرار يقضي بالإفراج عن كافة المعتقلين. لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يوضح الاجتماع المرتقب في هلسنكي التفاهمات الجديدة، للتقدم في تطبيق القرار الأممي الأخير حول سوريا، ومن أهمها التقدم في المفاوضات السياسية بشأن اللجنة الدستورية وتوفير البيئة الآمنة المستقرة حتى الوصول إلى الانتخابات الشاملة.

 

ملامح جديدة لاحتواء النفوذ الإيراني:

أصبح كبح جماح القوة الإيرانية الهدف الوحيد الكبير لإدارة ترامب في سوريا بعد أن أوشك تنظيم الدولة على الاختفاء تماماً، ولكن لوحظ في الآونة الأخيرة تراجع واشنطن عن مطالبتها بخروج القوات الإيرانية بشكل كامل من سوريا، وبات الحديث عن إبعاد تلك القوات إلى مسافة ٨٠ كيلومتراً عن حدود الاحتلال الإسرائيلي، وتوقع خبراء أن يكون هذا التراجع بناء على طلب من الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقوم بالتنسيق بشكل مكثف مؤخراً بين الطرفين من أجل إنجاز تفاهم جديد.

 

ويبدو أن ترامب على استعداد للتخلي عن المعارضة السورية، كما كان واضحاً في الجنوب السوري، مقابل أن تدعم روسيا إجراءات مختلفة لاحتواء النفوذ الإيراني، ومنها إبعاد القوات الإيرانية عن هضبة الجولان المحتل، والسماح للطيران الإسرائيلي بشن هجمات مختلفة للمواقع الإيرانية في سوريا.

 

ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أبلغ روسيا الأربعاء ١١ تموز / يوليو ٢٠١٨، أن حليفها بشار الأسد، سيكون في مأمن من إسرائيل، لكن على موسكو أن تشجع القوات الإيرانية على الخروج من سوريا.

 

وقال المسؤول الإسرائيلي: "هم (الروس) لديهم مصلحة في استقرار نظام الأسد، ومصلحتنا بخروج الإيرانيين. هاتان (المصلحتان) يمكن أن تتصادما أو تتلاقيا".

 

ونقل المسؤول عن نتنياهو قوله لبوتين في موسكو: "لن نتخذ إجراءات ضد نظام الأسد، وعليكم إخراج الإيرانيين"، وأضاف أن نتنياهو خرج مطمئناً إلى "أنهم (الروس) سيُخرِجون الإيرانيين".

 

حان الوقت للتخلي عن الأكراد أيضاً:

مع إفصاح الرئيس الأمريكي عن رغبته في الخروج الكامل من سوريا، وإعلانه مواصلة انسحاب قواته في الأشهر الأخيرة، يسعى الرئيس الروسي إلى التفاهم مع واشنطن حول مصير نحو ٣٠ في المئة من مساحة سوريا، وهي الأغنى بالمياه والخامات والمحاصيل الضرورية من أجل ضمان تحسين أوضاع النظام اقتصادياً، من خلال عقد اتفاق آخر مع الأكراد شرق الفرات، وضمان حقوقهم.

 

ملامح الاتفاق بدأت تظهر بشكل فعلي في مناطق شرق الفرات التي يسيطر عليها الأكراد، على الرغم من النفي المتكرر من المسؤولين في مليشيا "قسد"، حيث أزالت تلك المليشيات صور زعيم حزب العمال الكردستاني "عبد الله أوجلان"، من الساحات الرئيسية والطرق في المدينة وفي مدن وبلدات أخرى على الشريط الحدودي مع تركيا. صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، أفادت بالتوصل إلى اتفاق بين الجانبين حتى "تكون عمليات بيع النفط حصرية بيد النظام"، مع توقعات بدخول قوات النظام إلى الرقة قريباً لإدارتها مدنياً.