السبت 2017/07/01

قطر ..”جابر عثرات الكرام”

الثابت في المفاهيم العامة أن ما تقدمه الدول في المجال الإنساني يختلف عما هو معروف في الشكل التقليدي لفعل الخير، فالدول عادة تقدم مساعداتِها في ميزان مصالحها بالدرجة الأولى، ثم تأتي الاعتبارات الإنسانية في الدرجة الأخيرة من سُلّم الاهتمامات.

هذا الكلام ليس تنظيراً أو فلسفة من بطون الكتب، بل هي حقيقة تعرفها الشعوب التي تعرّضت لنكَبات ومآسٍ جعلتها محتاجة للحصول على مساعدات الدول المقتدرة على تقديم العون، ومن الحقائق المؤسِفة أيضاً أن هذا "العون" ليس بالمجّان في غالب الأحيان.

ومن أقرب الأمثلة على مدار الحديث ما تعرض له السوريون منذ أن ثاروا للحصول على حقوقهم المدنية عام ٢٠١١ ، وكان عقابهم أنهم تحوّلوا إلى شعب ممزّق بين قتيل وشريد ونازح أو مُهجّر، ما فتح باب المساعداتِ الإنسانية من قِبل بعض الجوار والمنظمات الأممية ودول أخرى.

وبين زحام المنظمات الإنسانية التابعة لدول عربية وأجنبية بدأ سباق "عطاء المن والأذى" من قبل البعض، فيما قدّمت منظمات أخرى مساعداتٍ طائلةً دون أن يعرف سكان الخيام الجهة التي تقدم الطعام والشراب والخيم، وفي مخيمات اللاجئين والنازحين السوريين ازدحمت شعارات ودعايات للمنظمات، ووثقت عدسات الكاميرات كيف قدّمت تلك المنظمات للمنكوبين ما يحفظ حياتهم ويسدّ رمقهم ولا يُغنيهم على أية حال عن جزء يسير مما فقدوه في ديارهم التي طردوا منها.

اللافت في الأمر أن منظماتٍ إنسانيةً قطرية وزّعت على مدار ستة أعوام المساعدات وقدمت العون لمئات الآلاف من نازحي الداخل أو اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان، دون أن يعرف الناس الجهة التي تمد لهم يد العون.. يدرك ذلك كما أسلفتُ من عمل في هذا المجال من السوريين ..الذين كانت صدمتهم كبيرة حين رأوا أسماء بعض تلك المنظمات على "لائحة الإرهاب" السعودية الإماراتية !

ما حصل أوحى لأحد الأصدقاء بتشبيه قرأناه في قَصص العرب حين كان للعروبة معنى ..ذكّرني الصديق بقصة "جابر عثرات الكرام"... عكرمة الفياض، الذي قدّم المال لخزيمة بن بشر وهو ملثم في الدياجي، وحين سأله من أنت؟ قال له "أنا جابر عثرات الكرام" ولم يعلم أحد ما فعل وما قدَّم، وحين أصبح خزيمة عاملاً على عكرمة، سجنه بسبب نقص في المال الموكَل إليه، ثم صارت القصة إلى أن خزيمة علم أن عكرمة هو جابر عثرات الكرام، واعتذر منه وأطلق سراحه.

لا بد أن يعرف السوريون يوماً من هو "جابر عثرات الكرام" ..السوريون كرام عثر بهم طريق كفاحهم، وتآمر القاصي والداني لإفشال ثورتهم ..واليوم نقول لله ثم للتاريخ إن قطر عاشت في السنوات السابقة دور "جابر عثرات الكرام" ..قدمت بصمت الكريم الذي لا يتبع عطاءه مناً ولا أذى..لم تساوم على صرخات الثكالى والأيامى والمنكوبين المستضعَفين، وأعطت بلا مقابل سياسي أو شروط للجهات التي قدمت لها.

"جابر عثرات الكرام" تعرَّض في القصة لمحنة، وتمرُّ قطر اليوم بمحنة كذلك جرَّها عليها "الجيران والأشقاء"، بأمر من أسيادِهم، ولا بدّ أن يظهر أثر الإحسان الذي قدّمته "دوحة الخير" لكلّ المستضعَفين، لأن الله حكم بأن جزاء الإحسان هو الإحسان.