الثلاثاء 2019/04/16

في تركيا.. “الأقارب عقارب” !

في خضم معترك الحياة في بلاد اللجوء التي حطّ المهجرون السوريون أقدامهم فيها أملاً بالخلاص من التسلط والظلم والابتزاز، ثمة ما عكّر صفو تلك الحياة المليئة أصلاً بالمتاعب والتفكير بطريقة تأمين لقمة العيش، وسط زحمةٍ من الأفكار السلبية التي لا تكاد تفارق حياة كل مهجر سوري، بأن يعادَ قسراً أو تدفعُه ظروفه إلى العودة إلى أقدام من قتل وارتكب أشنع المجازر بحق ذويه.

في تركيا يكثر الحديث عن عمليات ابتزاز وتشليح حصلت لسوريين، سواء أثناء محاولتهم الدخول بطريقة "التهريب" وما يعتريها من مخاطر تهدد الحياة، أو حتى بعد دخولهم إلى تركيا، فمِن اللحظة الأولى التي تحط فيها أقدام اللاجئ السوري إلى الأراضي التركية تبدأ عمليات الابتزاز من قبل سوريين، مهمتهم هي تأمين وصول آمن للسوري (الذي قد يكون استدان أصلاً المال الذي خرج به) من أجل أن يؤمّنوا له طريقاً آمناً إلى إحدى الولايات التركية التي ينوي الاستقرار بها، وذلك بسبب منع السلطات التركية السوريين من السفر إلا بموجب "إذن سفر"، في قرارٍ يثير حفيظة آلاف السوريين الذين لا يرون له أي مبرر، ويقولون إن اللاجئ السوري في أوروبا يتنقل بين دول الاتحاد بكل أريحية، فكيف بين مدن الدولة نفسها ؟!، لكن تركيا تبرر القرار لما تسميها "دواع أمنية".

مبالغ مالية باهظة

يقول "زياد" في حديث خاص مع قناة الجسر، إنه تعرض للابتزاز خلال دخوله إلى تركيا من قبل المهربين السوريين الذين ينسقون مع المهربين في الأراضي السورية، حيث طلبوا منه لتوصيل عائلته المكونة من 7 أفراد مبلغاً وصل إلى 700 دولار، على الرغم من اتفاقه مع المهربين أن مبلغ التهريب الذي تم الاتفاق عليه وهو 2400 دولار يشمل حتى التوصيل إلى ولاية إسطنبول، مشيراً إلى أنه تفاوض معهم من أجل تقليل المبلغ المطلوب.

لا يختلف الحال كثيراً بالنسبة للسوريين الذين مضى عليهم سنوات طويلة من العيش في تركيا، فمن يريد منهم التنقلَ بين ولاية وأخرى لا يستطيع في أغلب الأحيان السفر بشكل نظامي من الكراج، بل إنه يضطر أيضاً لدفع مبالغ مالية والبحث عن "مهربين محليين" مهمتهم تأمين وصول آمن بدون أن يعترض البوليس طريقهم، وهذا أيضاً ليس مجانياً، فالكثير من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي يشتكون من تضييق السلطات التركية عليهم ومنعهم من السفر، الأمر الذي يضطرهم إلى اللجوء إلى السفر بشكل "غير نظامي"، وهذا ما يدفعهم إلى دفع أجرة مضاعفة عن التسعيرة العادية.

لكن ما يؤلم أكثر من القرار التركي بتضييق حركة السوريين أن أغلب عمليات التهريب، سواءٌ من سوريا إلى تركيا أو بين الولايات التركية تجري بين سوريين، فتجد هذا السوري الذي قاسَمَ أخيه الآخر الغربة واللجوء وترك الديار تجده لا يرأف بحاله بل يحاول تحصيل ما يمكن تحصيله من أموال، دون وجود لأي مراعاة أو إشفاق وإغفال حقيقة أن الأحوال المادية لأغلب السوريين اللاجئين في تركيا ضعيفة وبالكاد يستطيعون تأمين لقمة العيش، لاسيما مع تدني أجورهم مقارنة مع الأتراك والهبوط المستمر في سعر صرف الليرة أمام الدولار، وذلك في مقابل ارتفاع متزايد بأسعار الخضروات والمواد الأساسية وآجارات المنازل.

حرمان الهوية.. معضلة تؤرق الكثيرين

في تركيا كثيرة هي احتياجات السوريين الممنوعة عنهم، بدءاً من حرمان التنقل بين الولايات وليس انتهاء بحرمانهم من "الهوية" في بعض الولايات، وهذا أيضاً أتاح لسوريين متعاونين مع أتراك أن يسعوا إلى تأمين "تبصيم" بالولايات المفتوح بها، مقابل دفع مبلغ يصل إلى 1300 ليرة تركية على الشخص الواحد، وهذا ما لا يستطيع الكثيرون على دفعه، لكنهم يضطرون إلى الحصول عليه بدفع المال واستدانته لأن البقاء بدون هوية يحرمهم من امتيازات عدة تقدمها الحكومة التركية، لاسيما الطبابة التي تعد باهظة التكلفة في تركيا.

وبالرغم من تلك الحقيقة التي يعرفها الأتراك والسوريون، إلا أن السوري المجبور على الحصول على هوية أو السفر أو الدخول إلى تركيا يقبل ويغض الطرف بأن تُسلب منه أموالُه تحت عينه، وبموافقةٍ منه يعطي بيده ماله إلى من يعرف أنه مُبتز وظالم وكاذب، فلماذا إذن ننتقد الغرباء إذا كان "الأقارب عقارب" كما يُقال ؟! .