السبت 2016/09/17

عملاء بلا حدود (2)

عيدٌ بأيِّ حالٍ عدْتَ يا عيدُ

في استمراره بعمليات القتل والذبح، يُفاجِئ تنظيم الدولة الناس بإصدار جديد في أول أيام عيد الأضحى المبارك، حيث لم يقم فقط بإعدام 15 رجلاً من أبناء ديرالزور .. لا بل ذبحَهم ونكّل بهم في منظر دموي لا يضاهيه شيء في بشاعته سوى ما يفعله بشار الأسد في حلب وإدلب وحمص وباقي المناطق المحاصرة بسوريا.

الإعدام تمّ كأنّه قربة لله في يوم الحج الأكبر، ضحّى فيه مجرمو التنظيم بخيرة شباب البلد، حيث خرج أحد مجرميهم في مسلخ حقيقي وجيء بالناس كالنعاج مربوطين مقيّدين، ليأمر بعد ذلك بذبحهم قائلاً "ضحّوا تقبّل الله منكم " ثم ليكملوا بعدها مسلسل إجرامهم فأخذوا ينحرون الناس واحداً تلو الآخر ثم صبوا الماء على رؤوسهم وعلّقوهم كالخراف في المسلخ.

هذا المشهد آلمَ الكثيرين وجعل الحقد والغضب يشتعل في النفوس، يريدون الانتقام أو التخلص من هذا الشر، الذي لا يُعرفُ له أصل، فالتنظيم مجموعة من اللقطاء أصحاب السوابق والتهم، ومن والاهم من أتباع النظام الذين هم على الأغلب صنيعته.

الكلام والسب والشتم ليس له نهاية، لكننا في هذا المقال نريد تبيان تفسير لهذا الإصدار، وما سبقه من إصدارات تريد إعطاء العالم صورة سيئة عن الإسلام وبث الرعب في النفوس..

أولا: توقيت الإصدار توافق مع بداية الهدنة بين الثوار وقوات النظام في سوريا التي تنص على وقف اطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، فأراد التنظيم بذلك أن يعطي النظام وحليفته روسيا مبرراً أمام المجتمع الدولي لقصف المدنيين بحجّة وجود التنظيم بينهم، وهو ما حدث في مدينة الميادين بريف ديرالزور، حينما استهدف طيران الاحتلال الروسي سوقاً شعبية ما أسفر عن ارتقاء 26 شهيداً أغلبهم نساء وأطفال.
ثانيا: في شرعنا الإسلامي، العيد يمثل يوم محبة وسلام ولا يجوز فيه قتل أحد أو التمثيل به وكان صلى الله عليه وسلم يعفو عن الناس في مثل هذا اليوم الفضيل، ويوسع عليهم في الرزق ويدخل الفرحة إلى قلوبهم، بل تعدّى ذلك إلى إزالة الضغائن والأحقاد والثأر من النفوس، ونهى عنه حينما قال في خطبة الوداع: " ألا إن كل دم ومال أصيب في الجاهلية فهو موضوع ، وأول دم وضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب".

ثالثا: لم يثبتِ التنظيم أو يعطي أي وثيقة أو صورة تؤكد أن من قتلهم عملاء، بل إن المُلاحِظ لإصدارات التنظيم يرى 99،99% من هؤلاء العملاء يتبعون لأمريكا وتركيا والتحالف الدولي بشكل عام ، ولا يوجد أي منهم يتبع لإيران أو الأسد الذي لا تبعد ميليشياته عن مواقع التنظيم في ديرالزور إلا بضعة أمتار؟!!!!

رابعا: الإخراج السينمائي المبتكر لهذه الإصدارات أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن منفذها ومنتجها من رواد السينما الأمريكية والأوروبية ومن متابعي الأفلام الهوليودية، وأغلب الظن أن أفلام الرعب كفيلم (المنشار) بأجزائه المعروفة هي المفضلة لديه، لا سيما أن الكثير من لقطات الذبح والشنق والاعدام مأخوذة منه ، ولولا أننا في صدد كتابة مقال لا في معرض إنشاء فيلم وثائقي لأثبتنا بالدليل والبرهان صحة ما نقول وحقيقة ما نرمي إليه، لكن فات هذا المخرج العبقري بضعة أمور سنوردها في مقال آخر تحت عنوان (داعشيوود للإنتاج السينمائي) نعرف به القراء على هذا التنظيم وإصداراته بالصوت والصورة.

خامسا: المتهمون في الإصدار الأخير لا يملكون أيّ خبرة في العمل المخابراتي لا من الناحية الجسدية ولا من الناحية الفكرية، فهم ليس كما وصفهم مجرمو القرن 21 بأنهم كـ "جيمس بوند" بل على العكس، هم أناس بسطاء اعترف التنظيم نفسه بأن قائدهم وزعيم الخلية فيهم ما إن اعتقلوه حتى أقرّ بأسماء جميع الأعضاء، الذين كان بعضهم في ذلك الوقت يرعى الغنم ويلعب بهاتفه الجوال ألعاب المزرعة السعيدة وغيرها من الألعاب الجذابة كـ ( كاندي كراش) فتأمّل هذه الكتيبة الاستخباراتية التي صنعها رئيس البنتاغون قبل أن يشنق نفسه!!!.

سادسا: إنّ من يظن أن التنظيم هو أول من اخترع فنون القتل والإجرام يكون واهماً، فميليشيا الأسد بمجزرة الحولة قبل أعوام وما ارتكبته من ذبح للأطفال والنساء، كانت سباقة لمضمار الشر هذا بل فاقت التنظيم بأشواط حين قتلت في يوم واحد أكثر من 100 مدني تحت أنظار العالم أجمع وسمعه، والأنكى من هذا وذاك أن لجنة المراقبة الدولية زارت موقع المجزرة، وأكدت أن ميليشيا النظام هي من تقف خلفها، حينها لم يكن تنظيم الدولة قد وضع أي قدم له في سوريا.

سابعا: ما يحدث في سجون بشار الأسد لا يقل فظاعة عما يحدث في أرض الخرافة، فصور 50 ألف قتيل في معتقلات النظام تشبه صور قتلى التنظيم في معسكر سبايكر أو مطار الرقة مثلاً ، والفرق الوحيد بينهما هو في العدد إذ يُعدُّ التنظيم طفلاً صغيراً أمام ميليشيا النظام وإنجازاتها على مستوى الحيوانية الدولية.

ثامنا: يدّعي التنظيم عدم خوفه بل يريد في كل أفعاله إخافة الناس، وبث الرعب في قلوبهم، وما يحدث الآن هو العكس ، فالمتتبع لإصداراته يرى أغلب العناصر ملثّمين متخفّين لا اسم ولا نسب يُعرفون به، فقط أبو فلان المجرم وأبو علان السفّاح وهلم جرّاً، لأوصاف يبتدعونها وألقاب يخترعونها، فيما الحقيقة أنهم عناصر مخابراتية تابعة لنظام البعث في سوريا والعراق أو لنظام الملالي في طهران أو لإحدى مؤسسات الشر العالمية في روسيا وأمريكا.

تاسعا: إنّ شعبنا الثائر لن تخيفه سُحبُ الظلام التي تمرّ بالبلاد ولن تثنيه عن مواصلة ثورته، فمن خرج عاريَ الصدر بوجه طاغية دمشق ورصاص بنادقه.. لن يعجزه أن ينتفض بوجه طغاة أوباش يلبسون ثوب الحمل، فيما تخفي ضمائرهم ونفوسهم غدر الذئاب ومكرها.

ورحم الله القائل: " إنّ الشعب الذي يصرّ على الحق ولا يزال يصرّ، يجعل الإغراء لا يغري والخوف لا يخيف".