السبت 2017/12/09

صدق ترامب.. وخان العرب من جديد

كثيرون هم الذين ألقوا اللوم على الرئيس الأمريكي ووجهوا له أبشع الأوصاف والانتقادات بعد إعلانه الأخير الذي اعترف به أن مدينة القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، لكن ومن وجهة نظر لا بد من الإدلاء بها والاعتراف بواقعيتها، لِمَ ننتقدُ شخصاً كانَ صادقاً بوعده الذي قطعه على نفسه في حملته الانتخابية الأخيرة؟، لماذا نطلب من شخص يعادي الإسلام والمسلمين وينعته بالإرهاب بشكل علني أنْ يكون حليماً بالمسلمين ويحترم مقدساتهم؟، كيف نرجو من شخص يوالي اليهود ألا يتخذ قراراً يصب بمصلحتهم؟، هل كنا ننتظر من ترامب مثلاً أن يطرد الإسرائيليين من شرق القدس أو غربها، أو تكون خطة السلام التي يقودها صهره كوشنر تنص على الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لدولة فلسطين؟ .. حال كثير من هؤلاء الأشخاص المنتقدين لترامب كحال من يرجو من الذئب الجائع أن يكون أليفاً مع الخراف المربوطة ! .

3 أيام مرتْ منذ إعلان ترامب يومَ النكبة الجديدة لفلسطين والأمة الإسلامية ومنذ تلك اللحظة التاريخية المشؤومة سمعنا وقرأنا مئات التصريحات من زعماءَ وسياسيين عرب وإسلاميينَ تنددُ بقرار الرئيس الأمريكي.. لكن ماذا كانت النتائج..؟ "نسمع جعجعةً ولا نرى طحناً" وهذه النتيجة قد باتت مألوفة ولم تفاجئ الشارع العربي والعالمي.

الحديث صار مملاً عن عدم تحرك الزعماء العرب لإنقاذ القدس من رجس الصهيانة، فعن أيّ تحركٍ نتحدث إذا كان اليهود ينسِّقون علناً تارة وسراً تارة أخری مع دول عربية لتطبيع العلاقات، ومن هذا المنطلق لم يكن مفاجئاً ما كشفته القناة العبرية العاشرة من أن ترامب ما كان ليأخذ قراره هذا لولا أنه تواصل وأخذ الضوء الأخضر من مصر والسعودية، لكنه وإن لم يكن مفاجئاً فإنه يدلل على أن المنطقة مقبلة على مزيد من الخراب الأخلاقي وتنازلات أكثر إهانة، خصوصا أن من يقدم التنازلات ويبيع القدس بأبخس الأثمان هم أكبر الدول العربية تسليحاً وجيوشها من أكبر الجيوش عدداً.

فنكبة القدس اليوم إذاً هي نتاجُ خيانة جديدة من زعماء عرب، كانوا قد خان نظراؤهم بالأمس، فالواقع المأساوي الذي تعيشه فلسطين اليوم عاشته عدة مرات قبل عشرات السنين ولا سيما في حربِ الـ 48 ومحطات أخرى منها المذابح في خان يونس ودير ياسين والمسجد الأقصى مروراً بمجازر الحرم الإبراهيمي ومخيم جنين وليس انتهاء بآخر الحملات الدامية ضد غزة في الأعوام الماضية، أي إنَّ كل تلك الفترة من 48 وحتى يومنا هذا شهدت سلسلة من الجرائم من الصهاينة المتطرفين ضد الفلسطينيين، وما من داع للتوسع وإلقاء نظرة عن كثب في سلسلة النكبات المتتالية تلك لمعرفة تفاصيل وحيثيات الخيانة أو على الأقل انهزام الحس الإسلامي لدى قادة العرب تجاه المسلمين بفلسطين، لكن إذا ما بدأنا بآخرها سنجد مثالاً حياً على اللامبالاة وعدم الشعور بأي مسؤولية تجاه فلسطين ومقدساتها، أتحدث هنا عن أزمة الأقصى حينما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بفرض قيود على المسجد والبوابات التي يدخل منها الفلسطينيون إليه، كانت التصريحات العربية والإسلامية الرسمية شبيهة إلى حد كبير بالتصريحات التي نسمعها اليوم بعد نكبة فلسطين الجديدة بالقدس، لكن الاحتلال الإسرائيلي كان يعلم جيداً أنَّ الخطاب الموجَّه ضده من هؤلاء القادة ليس إلا لخداع الشعوب العربية، و قد لا يكون من المستغرب أن الساسة الإسرائيليين يطلبون من نظرائهم في الدول التي تعمل مع الاحتلال سراً إلقاء مثل تلك الخطابات الرنانة في سبيل تهدئة أعصاب الشعوب العربية المقيّدة عن أي رد عسكري حقيقي يلجم الوقاحة الإسرائيلية واغتصابها للأراضي الفلسطينية، ولم ينصر الفلسطينيون آنذاك إلا أنفسهم وحجارتهم وأرغموا الاحتلال على رفع كل القيود عن المسجد، ومنا هنا فإن الذي سيدافع عن القدس اليوم هم المقدسيون وعموم الفلسطينيين الذين اختارهم الله وجبلهم للمعايشة مع مثل هكذا وقائع وتحديات.

الموقف المصري ضد الفلسطينيين سابقاً والقدس اليوم ليس بجديد، فقد عهدنا إبان الحروب الإسرائيلية ضد قطاع غزة رفض مبارك والسيسي فتح معبر رفح المتنفس الوحيد للقطاع، كما كانت الإمارات تتجسس ضد حركة حماس لصالح الاحتلال، واليوم يلحقُ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بركب الخونة وتتسع سطوة الاحتلال الإسرائيلي بعد صعوده لولاية العهد ، وربما أنّ ما سُمِيتْ "صفقة القرن" للتسوية مع الاحتلال التي كانت قد كُشف عنها مؤخراً وفُرِضَ على الرئيس الفلسطيني عباس القبول بها ربما كان التنازل عن القدس من أحد بنودها، في انتظار خروج كل البنود على العلن والتي قد تتضمن بشكل مؤكد تنازلات أخرى، تزيد من القناعة بخيانة الزعماء العرب ورغبتهم في عقد أي صفقة تبقيهم على كراسي الحكم كما تكشف من جانب آخر وفاء الأمريكيين بعهودهم لصالح الصهاينة.