الأثنين 2019/04/15

شريعة الرقص والتصفيق

لعل أكثر ما يشغَل منتقدي سياسة ولي عهد السعودية محمد ابن سلمان في تغيير شكل المملكة، هي لعبُه على وتر الدين بشكل كبير سواء في الترغيب والترهيب، إذ يحرص ابن سلمان على استخدام فئة "المشايخ" بشكل مفرط في الدفاع عن أي قرار غريب على المجتمع السعودي يمضيه ابن سلمان، ولتبسيط ما لا يمكن تبسيطه من مشاهد الرقص والحفلات والاختلاط وغيرها من مظاهر كانت حتى الأمس القريب تعد من المحرمات لدى جميع رجال الدين السعوديين بمن فيهم شيوخ ابن سلمان الحاليون، ربما استعمال "المشايخ" في إيصال الرسائل وتجميل خطوات "الوالي" المثيرة للجدل كان أحد الميادين القليلة التي نجح فيها ابن سلمان وأشباهه كابن زايد والسيسي في سياسة تدجين وتنويم الشعب، في ظل وجود بحر من رجال الدين، المنقسمين في فئات متعددة الأسماء متعارضة الاعتقاد، وبعضهم يُتهم بأنه أداة تحركها أجهزة المخابرات.

حملات اعتقال وإيقاف وتجميد عن العمل لم يسبق لها في تاريخ المملكة، استهدفت بالبداية من يُعتقد أنهم سيعارضون مشروع ولي العهد المرتبط بالدين، ثم اتسعت لتشمل من لم يحمدوا ويمجّدوا رؤية وتفكير قرارات ابن سلمان كالشيخ سلمان العودة، وما لبثت الحملة أن أصبحت تشمل حتى بعض المسبّحين بحمد العاهل المستقبلي، كالداعية محمد العريفي الذي أوقف عن الخطابة والتغريد، واعتُقِل ولده الأكبر دون معرفة مصيره، ابتعدت هذه الحملة بشكل ملحوظ عن اتباع الفكر المدخلي، وهي فئة بقيت مغمورة حتى اشتعال ثورات الربيع العربي، حيث أثارت الجدل بشن أتباعها حربا ضروسا ضد كل من يقوم على الحاكم.

بعد كل هذه الحملات تمايزت صفوف رجال الدين السعوديين إلى حد كبير، بالإمكان القول الآن إن هناك فئتين من رجال الدين بالسعودية، الأولى؛ شيوخ صامتون باتوا يعرفون ما لهم وما عليهم ومستعدون لقبول أي تغيير يقره ابن سلمان ولو على مضض مقابل عدم اعتقالهم وهم الأقل خطرًا، أما الثانية فهي الفئة التي كسبها ابن سلمان في حربه على الدعاة، مجموعة ذات تأثير كبير في المجتمع السعودي، ومستعدة لتجميل كل مساوئه، وقراراته، ولو كلف ذلك العبث بثوابت دينية راسخة، والولوج في دوامة الخلاف والتفسير، بذرائع علل فهم النصوص، أو تجديد الخطاب الديني.

أسماء كثيرة لعلماء ومشايخ سعوديين اختاروا معسكر ابن سلمان، وحصلوا على امتيازات كثيرة إعلاميا وماديا وباتوا مقربين من الديوان الملكي، غير آبهين بثمن ذلك، وخسروا الكثير من أتباعهم في العالم الإسلامي عامة والسعودي خاصة، ومن تلك الأسماء إمام الحرم السابق عادل الكلباني، الذي ما انفك يثير الجدل بمواقف يبدد فيها كل الشكوك حول نوايا ابن سلمان السلبية وسعيه لتعويم وجه ديني جديد للسعودية.

الكلباني وعلى غرار زملائه الموالين بشدة لابن سلمان يحرص في كل مناسبة على الظهور بذلك الشخص الذي يجيب عن كل الأسئلة الإشكالية والجدلية وفق منظور ديني حديث طرأ مع وصول ابن سلمان ويحافظ في الوقت نفسه على كونه شيخا سلفيا ذا لحية طويلة، يحلل الرقص والغناء ولعبة البلوت (الشدة)، ويرى في تعيين امرأة سعودية بمنصب سفيرة في أمريكا خطوة لمحو الفكرة السوداوية عن المملكة، ينصح الكلباني متصلا سأل عن أيهما أفضل الرقص أم التصفيق أثناء الحفلات؟ بأن "الرجل يفعل ما يتقن"!، يتحدث عن مباريات النصر والهلال، وفي أسلوب مليء بالتكلف يحاول الكلباني وتحت ستار مقولة "أن تكون شيخا لا يعني أن تكون منغلقا" أن يوصل للعالم أن النهج الإسلامي قبل ابن سلمان قد ولى، وعلى السعوديين التعايش مع دين جديد.

لا يمل الكلباني من مقاومة منتقديه من المغردين، والمعلقين المصدومين وهو يدرك أن ما فعله سيثير ردود فعل شعبية غاضبة، لكن ما لا يدركه هو حجم الشرخ الذي سيتركه في ملايين الناس الذين بكوا يوما على صوت شيخ يؤم المسلمين في الحرم المكي، ويدعوهم إلى الصلاح والالتزام في مواقع التواصل، فإذا بذلك الشيخ ينقلب فجأة على نفسه يحلل ما كان محرما، ويدافع عن حاكم يقتل ويحرق ويقطع، حين ندرك نحن حجم الشرخ الذي يحدثه فقه الرقص والتصفيق الذي ينظّر فيه الكلباني ورفاقه، لا يمكننا أن نسأل بعدها عن سبب اتساع ظواهر الإلحاد والانسلاخ عن الهوية والدين.