الأحد 2016/11/06

شتاء ساخن في سوريا وملامح حرب باردة بين روسيا والغرب

ما إن دخلت روسيا الحرب في سوريا إلى جانب الأسد حتى بدأت تتكشف النوايا والأجندات المستورة وراء كل ذلك الدعم اللامحدود لنظام الأسد حيث تحاول روسيا تصفية حسابات بعينها ربما دفعها التغاضي الأمريكي أو بالأحرى الضوء الأخضر الأمريكي لمحاولة تصعيد الصراع في المنطقة لتغوص في وحل الحروب التي لن تهدأ نيرانها حتى تستقر بوصلة المصالح كما هو مخطط لها.

ومع مرور الوقت وتزايد التوغل الروسي في الحرب السورية والهجوم الهمجي الذي يصب حممه على مدينة حلب السورية أخذت اللهجة الغربية تتصاعد بعض الشيء مستنكرة الوحشية الروسية التي تريد الحسم بأي طريقة لصالح الأسد وهذا بالطبع دفع بوتين لمزيد من التصعيد خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية واحتمالية مجيء رئيس جديد للبيت الأبيض قد يغير قواعد اللعبة الدولية من جديد.

العلاقة بين روسيا والغرب بدأت تشهد توتراً غير مسبوق عكسته لغة التراشق والتهديدات المتبادلة بما في ذلك ما يتعلق بالملف السوري الذي تحول إلى أحد أبرز عناوين التباين لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد خاصة بعد ما شهدت الفترة الأخيرة استعراضاً واسعاً للقوة العسكرية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي كما دخل الإعلام على خط المعركة بما في ذلك الدعوة داخل روسيا للاستعداد لحرب نووية.

تطورات متسارعة دفعت العديد من المراقبين والخبراء الأمنيين إلى تشبيه ما يجري في الآونة الأخيرة بأنه عودة إلى أوج فترة الحرب الباردة أبان الاتحاد السوفيتي مبدين خشيتهم من تصاعد تسخين الجبهات وارتداداته على أكثر من ملف وهذا بالطبع ينعكس سلباً على المنطقة وخاصة على الملف السوري الذي بات كبش فداء لصالح قوة بعينها حتى إن نيران المعارك لن تفتر طالما أن الإرادة الروسية مدركة تماماً تزايد ثمن الورقة السورية التي في يدها.

مراقبون في دول البلطيق واسكندنافيا وصفوا القدر الذي وصل إليه الاعلام الروسي في حملته الدعائية بأنه أشبه بخطابات دعائية لفترة الحرب الباردة حيث إن الملف السوري بات يشكل المضمار الأكثر تعقيداً بين موسكو والغرب فروسيا تريد أن تحافظ على موطئ قدم لها في المياه الدافئة في حين أن الغرب يسعى إلى ضمان مصالحه ومصالح حلفائه تاركاً الروس يمارسون دور الشيطان الأول في المنطقة خاصة بعد أن نجحت واشنطن في استنزاف إيران وحليفها حزب الله في سوريا ومن ثم ساقت الروس إلى دوامة قد تحاكي السيناريو الأفغاني وهذا الطرح بعيد طالما أن واشنطن ترفض تسليح الثوار في سوريا بأسلحة نوعية.

رصد التعاطي الإعلامي الروسي في ظل تأزم العلاقة مع الغرب يعزز هذا الاعتقاد إذ يُلاحظ استخدام عبارة يُنصح الروس بالاستعداد لحرب نووية وفقاً لما ذهبت إليه وكالة أنباء (يو أر ايه) الروسية؛ وفي بعض الصحف ووسائل الاعلام الروسية تبرز تحذيرات من الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة وفقاً لما ذهبت إليه صحيفة كومسمول بعد انهيار الهدنة في مدينة حلب مؤخراً.

تهويلٌ لم يقتصر على موقف الاعلام الروسي؛ فعلى الرغم من تصدر الروس تحريك رماد الحرب الباردة لكن يبدو أنهم ليسوا بمفردهم؛ فمن الناحية الإعلامية أعادت صحيفة ذا ناشيونال انترست روسيا والغرب كما نشرت سلسلة مقالات وتحليلات طيلة الشهر الحالي توحي بأن العالم عاد إلى مرحلة عام ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانين وشعار أمبراطورية الشر وكل هذا دفع إلى ولادة مخاوف جعلت حلف شمال الأطلسي يسرع في عملية نشر قوات كان مقرراً لها أن تبدأ مطلع عام ألفين وسبعة عشر.

إذاً سوريا وشتاؤها الساخن تبدو العنوان الأبرز للتباين ولاسيما تصاعد النبرة السياسية والإعلامية بحق روسيا حيث يرى مراقبون أن تلك النبرة تنم عن انعدام الثقة بين موسكو ودول البلطيق والشمال خاصة وأن الاستخبارات العسكرية والمدنية في تلك الدول بدأت تلقي الضوء أكثر على محاولة بوتين اختراق الساحة الحزبية لتلك الدول وبات الملف السوري أحد عناوين هذه المواجهة وهذا ما يعزيه الخبير في مجال الدفاع في كوبنهاغن فليمنغ كريستيان إلى أن هذه الطفرات في العلاقات الدولية تشبه فيما يطلق عليه موجات حرب باردة على الأقل بين الأمريكيين والروس لكن ما يميز الوضع الحالي هي الأحلام الشخصية لبوتين الذي يلعب على المشاعر القومية ولعله وجد في الورقة السورية ما يحقق له ذلك. فهل ستذيب نيران الحرب المستعرة في سوريا جليد الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن.؟