الأحد 2016/08/21

سوريا… قوقعة الموت الحي

هي أرجوحة الحياة التي كان يحلم بها قبل أن تباغت أحلامه قذائف الغدر الذي أراد أن يحيل الربيع إلى ركام ليستفيق على تلك الدماء التي تعشقت بخده الوردي تاركة أنشودة من الأسى والحزن تتربع على عرش الإنسانية التي اختزلتها ملحمة السوريين.

استفاق ذاك الطفل الحلبي من حلمٍ كان قد أخذ بيده إلى عالمٍ افتقده أطفال سوريا ليمسح عن جبينه دماءً أبت إلا تسيل تاركة وراءها نظرات هزت العالم بعد أن تكالبت قوى الشر الأسدي على مدينته المضرجة بدماء أخوته من قبله.

ربما تلك النظرات البريئة لم يكن لها وقعها على عرش السياسة التي لا تكترث حتى لأشد الحالات الإنسانية سوءاً إلا أنها تركت وشماً من العار على صفحات الإنسانية التي طالما نادى بها المتسلقون على أبوابها ليطرقوا باباً هو للموت أقرب.

بدأوها بحمزة الخطيب ذاك الطفل الحوراني الذي هتف منذ البداية ضد الظلم والفساد غير مكترث لما هو مخبأ وراء صرخات الحرية التي هزت جنود الأسد لينكلوا بجسده الطاهر ويدوسوا على ربيع الطفولة الذي لم يكد يزهر ولعل صيحات أهالي درعا باسم حمزة الخطيب لم تكف بحر الدم السوري الذي راح ينادي هل من مزيد.

مزيدٌ من الموت راح يقبع على أرصفة الطفولة فقط في سوريا تاركاً العالم يتوه في ممراتٍ ضيقة من الخوف الذي اختلقته آلة الموت الأسدية بعيداً عن أي معنى للطفولة وما صرخات تلك الطفلة التي استفاقت وسط الجثث المتراكمة لتنادي وتصرخ بصوتٍ أدمى القلوب وهي تقول بعد تعرض بلدتها للهجوم بالأسلحة الكيماوية: (أنا عايشة أنا عايشة).

مشهدٌ تنسجه الملحمة السورية على امتداد الأرض من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها لا يدع للمرء أي قدر من الصمت إلا أن ينتفض شاخصاً بأبصاره إلى تلك الجثث التي غدت أيقوناتٍ للموت السوري الحي الذي بات يلقب في سوريا بأبي حمزة وأبي هاجر وأخي عمران.

فمن من السوريين لا يذكر هاجر الخطيب تلك الطفلة ذات الثمانية أعوام عندما اغتالتها يد الغدر الأسدي وهي في طريقها إلى المدرسة في بلدة الرستن الواقع بريف حمص الشمالي لتتحول إلى رمز جديد ونبراس مشع على صفحات الملحمة السورية التي لم يبق أحد من الدول إلا وراح يتصفح سجلاتها الملطخة بدماء أهلها الذين ضجر الموت منهم وأنت لأجلهم الأرض التي لم تعد تتسع لهم لتنادي البحر أن يخفف عنها ثقل تلك الجثث التي ما فتئت تتوالى إلى مستقرها الأخير.

نداءٌ سرعان ما انتفضت لأجله أمواجُ بحرٍ لبى النداء ليقول للعالم هذا هو إيلان الكردي لم أبتلعه بل أرسلته إليكم ليكون بجوار حمزة وهاجر شاهداً على تخاذلكم لذا أعدته جثة هامدة تربعت على عرش الموت السوري الذي تعددت أشكاله وأساليبه.

لم ينس العالم حمزة ولا هاجر حتى يزفإلى جوارهم أطفال الغوطة في ريف دمشق متساقطين جثثاً هامدة بعد استهداف قوات الأسد الغوطة بالأسلحة الكيماوية لتعلو صيحات أهالي سوريا منادية بصوتٍ عالٍ هي لله ولله نقدم أطفالنا قرابين للحرية التي سوف ننتزعها مهما حصل ومهما علت فاتورة الدم المراق على دروب الموت السوري.

فمع اقتراب ذكرى مجزرة الكيماوي يطل الطفل الحلبي عمران على العالم ليذكر من تخاذلوا عن نصرة أقرانه بدمائه التي لاصقت جبينه المدمى ليخط سطوراً من الصمت الذي نطق لأجل أطفال سوريا الذين بكى الموت لأجلهم والأرض اهتزت من ثقل أجسادهم والبحر كتب بأمواجه أنشودة الأسى التي بات السوريون يتطلعون إليها عبر أرضٍ ليست بأرضهم مستذكرين ماضٍ قد لا يعود في ظل تناقض المصالح وتضارب الأهداف السياسية التي لا تكترث لا لكبيرٍ ولا لصغير ولا تعي من الإنسانية إلا حروفاً تضرجت بدماء شعبٍ بات مضرباً لقصص الأسى والعذاب.

وحدهم السوريون اليوم متروكين لمصيرهم المجهول يزفون ضحاياهم وينادون ياالله مالنا غيرك ياالله تاركين العالم وراء ظهورهم بعد أن وشمته جراح أطفالهم بوشمٍ سُطرت حروفه على مدى خمسة أعوام تاركين الباب مفتوحاً لمزيد من السنين ومزيدٍ من العار الذي بات عنواناً لأنشودة الموت التي بدأت بحمزة ومرت بهاجر ولم تتوقف عند نظرات عمران الذي خرج من بين الركام ليقول للعالم بأسره: أنا الصمت السوري الذي لا يرضى الانكسار أنا الطفل الحلبي الذي سيبقى رمزاً للحياة في مرآة عاركم الملطخ بصمتي.