الجمعة 2016/05/20

سوريا بين سباق الكبار وتسويق الحلول

لا أحد يغفل أن الحرب الدائرة في سوريا قد ولّدت صراعات عديدة سواء على أراضيها أو حتى في دول أخرى مجاورة لها أو تلك الدول التي طرق اللاجئون أبوابها باحثين عن الأمن والأمان.

لم تكن حرباً طاحنة لولا التعنت من قبل الأسد الذي راح يزج بقواته العسكرية لقمع الثورة السلمية التي خرجت للمطالبة بالحرية والكرامة لتعلو فيما بعد أصوات أبناء سوريا بإسقاط النظام.

اليوم لا يخلو الحديث في أروقة السياسة الدولية عن أن الحل في سوريا هو حل سياسي بغض النظر عن مئات الآلاف من الشهداء الذين سقطوا ضحية نظام مستبد قمعي ونتيجة تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم الأسد وحلفائه من حزب الله وإيران وغيرها من الميليشيات والمرتزقة الأفغان.

أحاديث عديدة ترددت عن المرحلة الانتقالية في سوريا وصياغة دستور جديد بتوقيع روسي أمريكي يقوم على أسس تعددية تكفل الحفاظ على أجهزة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، ولكن اللعبة على أرض الواقع تتعارض مع كل هذا الطرح.

روسيا دخلت الحرب في سوريا على أعين المجتمع الدولي ومبررها في ذلك هو محاربة الإرهاب والقضاء على الإرهابين والحفاظ على الجيش السوري وليس للدفاع عن شخص الأسد بحد ذاته ولكن ربما هو الاستشعار بانهيار الأسد ونظامه وبالتالي إدراك حقيقة العجز الإيراني عن حماية الأسد ونظامه لذا جاءت روسيا لتكون اللاعب الأساسي الذي ينافس التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

أسباب عديدة وربما أولها شعور الإيرانيين بأن روسيا بدأت تلعب على حساب مصالحها وهذا ما دفع إيران إلى إرسال المزيد من القوات الخاصة إلى سوريا لابل وتوعدت بإرسال المزيد إذا لزم الأمر.

اليوم وفي ظل هذه اللعبة المبنية على تبادل الأدوار بين واشنطن وموسكو يرى العديد من الحلفاء وأولهم الأوربيون أن عدم إيجاد أي مخرج ينهي الحرب في سوريا قد يثير العديد من الصراعات حتى داخل أوربا نفسها فأزمة اللاجئين وتدفقهم بشكل غير مسبوق باتجاه الدول الأوربية لن يتوقف طالما الحرب مستمرة في سوريا ولهذا يتساءل بعض الدبلوماسيين والمحللين عما إذا كانت الولايات المتحدة أساءت التقدير فيما يتعلق برغبة روسيا في بقاء الأسد في السلطة.

ثنائية مزدوجة ربما تخرج عن أي توصيف سياسي يذكر تحاول واشنطن أن تكرسه في أي صراع حتى تظل عجلة الحلول تدور في مكان واحد بعيداً عن أي شيء يمس بمصالحها.

يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين إن واشنطن كانت تعتقد أن الروس سيتحركون سريعاً للحصول على تعهدات من الأسد للدخول في عملية سياسية، لكن هذا لم يحدث ابداً لذا فإن المشكلة الرئيسية تتمثل في عجز الإدارة الأمريكية أو عدم استعدادها لكسر هذا التعنت الروسي وما تراجع الرئيس الأمريكي عن ضرب الأسد في عام ألفين وثلاثة عشر عند استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد أهالي الغوطة إلا أكبر دليل على ذلك.

اجتماعات كثيرة ومؤتمرات لم يتمخض عنها إلا الوعود لتكون دماء السوريين هي الفاتورة التي تدفع ثمناً لوعود تباع في الهواء وهذا ما يتضح جلياً من الحليف الأول للمعارضة السورية الممثل بالولايات المتحدة الأمريكية التي تمارس ضغوطاً على المعارضة لتقديم تنازلات بدلاً من دفع روسيا للضغط على الحكومة السورية.

قبل مئة عام جمعت اتفاقية سايكس بيكو كل من بريطانيا وفرنسا الأمر الذي يجعل العديد من المراقبين ينظرون إلى التقاطع بين تلك الاتفاقية وكل المحاولات التي يبذلها المشاركون في الاجتماعات المنعقدة في فيينا لإنهاء الحرب السورية.

فالحدود التي رُسمت قبل مئة عام من الممكن أن تكون نموذج مصغر يمكن للاعبين الدوليين إسقاطه على الحالة السورية الأمر الذي يعيد كل الخطوط السياسية إلى نقطة البداية فما يدور اليوم في فيينا وما خرج منه عن الحديث عن أساسيات لإنهاء الحرب وتحقيق انتقال سياسي للسلطة في سوريا مرهون بالعديد من العقبات أولها وجهة النظر الروسية التي تنادي بوجود بديل للأسد يضمن الاستقرار وبالتالي يضمن بقاء سوريا الحليف الأول في المنطقة العربية وبالتالي يحافظ لها على قواعدها في المياه الدافئة.

ومع التخبط الحاصل على الأرض بين فصائل المعارضة يحاول الأسد وروسيا استعادة العديد من المناطق ليذهبوا إلى جنيف بموقف أقوى من المعارضة وهذا الأمر إن حصل فهو لصالح الأسد كون واشنطن باتت مقتنعة بوجهة النظر الروسية الأمر الذي يحتم على وفد المعارضة الالتزام بثوابت الثورة أمام المجتمع الدولي واتجاه الشعب السوري.

خطط واستراتيجيات هي عنوان هذه المرحلة من عمر الثورة السورية ولكن اليوم باتت الساحة للاعبَيْن الروسي والأمريكي اللذين يرسمان الخطط الاستراتيجية بعيداً عن اللاعبين الأساسيين على الأرض مما يتطلب إعادة كل الحسابات السياسية وإمعان النظر إلى تلك الخطط المرسومة ولو كانت متوّجة بالحلول.