الأربعاء 2017/12/27

“سوتشي” نهاية “البازار” وتوزيع الغلَّة

بعد عدة مسارات تفاوضية لم تفض إلى شيء على صعيد الحل في سوريا، وبعد حرب استئصال شنتها روسيا على المناطق الثائرة والمحررة استطاعت من خلالها تحقيق الكثير مما تريده بدعم وغطاء دولي وإقليمي، لم يعُد يخفى على أحد، أصبح من نافلة القول الحديث عن أن روسيا تريد أن تحصد ما زرعته في سوريا وأن وقت جني الثمار اقترب من موعده ويجب أن يكون بأقصى سرعة خوفاً من أي مفاجئة تُفسِدُ على روسيا بَهجَتَها ورغبَتَها، أعتقد أن العقل الروسي يذهب بهذا الاتجاه ويفكر بذلك المنطق.

فروسيا تريد استغلال سياسة التَرْكِ الأمريكية التي من المؤكد أنها لن تدوم طويلاً لذا كان لا بدَّ من سوتشي سريع يعلن ولادة حل روسي في سوريا طال انتظاره وتكلفت روسيا عناء وجوده الكثير على صعيد الساحة السورية وساحات أخرى ربما في أوكرانيا أو في مكان آخر فعند الحديث عن قطبين كبيرين كروسيا والولايات المتحدة يجب أن نعي تماماً اتساع رقعة الصراع وتعدد الملفات القابلة للمساومة والمقاومة بين الطرفين، لن نستطرد كثيراً فلسنا بصدد الحديث عن أساليب الصراع الروسي الأمريكي لكن أردنا التنويه إلى الأمر.

سياسة التَرْكِ الأمريكية التي أشرنا لها سابقاً رافقها ضعف في الدور الأوروبي فأوروبا تثبت مجدداً أنها القارة العجوز بلا منازع، ما سبق يشير إلى أنه لم يعد من منغِّصات لروسيا في الملف السوري سوى دول الإقليم والتي لا يمكن الاستهانة بها نظراً لأهميتها وتغلغلها وتأثيرها وتضارب مصالحها مع بعضها تارة ومع روسيا تارة أخرى وعلى رأس هذه الأطراف إيران وتركيا وإسرائيل والسعودية وبعض الدول العربية التي تدور في فلك السعودية، أما عن الأخيرة فأمرها بات واضحاً للعيان نظراً لتقاطع مصالحها مع الرؤية الإسرائيلية في سوريا وهي إبعاد إيران وميليشياتها عن المنطقة ولا يوجد مشكلة أبداً لديها ببقاء بشار الأسد على سدة الحكم وخاصة أنه بأضعف حالاته مكبّلاً بالقواعد الروسية غير قادر على فعل شيء.

في المرحلة السابقة كانت روسيا بأمس الحاجة للدورين التركي والإيراني لتخفيف حدة الصراع في سوريا وهما الدولتان القادرتان على ذلك، نظراً لتغلغلهما وتأثيرهما الكبير على كثير من القوى المحلية هناك، لذلك كان لا بد من مسار أستانا الذي تصدر مشهده الدولتين السابقتين بالإضافة لموسكو، لكن تعاظم دور هاتين الدولتين أصبح مزعجاً للروس وخاصةً بعد ما وصلت له خريطةُ الصراعِ العسكرية في سوريا، لا أعتقد أن الروس باتوا بحاجة لتلك الدولتين لذلك كان لابدَّ من التخلص منهما ومن دوريهما بطريقة دبلوماسية ( مؤتمر سوتشي سيقوم بالمهمة) فسوتشي سيحافظ على بشار ولو شكلياً ومرحلياً وهذا ما تريده إيران بالحد الأدنى وسيهمش الأحزاب الانفصالية الكردية وهذا ما يريده الأتراك بالحد الأدنى وسيبعد يد الأتراك والإيرانيين عن الملف السوري وهذا ما تريده روسيا بالحد الأعلى كي تستفرد بالساحة بشكل نهائي فهي كما قلنا لم تعد بحاجة لكلتا الدولتين بعد أن استثمرت وجودهما على طاولة أستانا لأبعد حد، وليس من السهل التخلص منهما لذلك كان لابدَّ من "سوتشي" مؤتمر حوار وطني بالنكهة الروسية غايته الحوار بين المكونات السورية كما صرحت روسيا والتي سترفض أي تدخل أجنبي وعلى رأسهم الإيرانيون والأتراك باستثناء الدولة المُضيفة وبذلك يكون لروسيا ما أرادت بإبعاد أي منافس على المصالح، طبعاً هنا أتكلم عما تريده روسيا بمعزل الحديث عما تريده إيران وتركيا ولكل منهما وسائله المختلفة في رفض ما يخالف مصالحهما وإرادتهما إن شَعَرَا بالخطر والغبن وخاصة الإيرانيين الذين يعتقدون أنهم دفعوا ثمناً باهظاً في سوريا، وفي نهاية الحديث لابدَّ من الإشارة إلى تغافل الروس عن شيء مهمّ للغاية وهو مطالب السوريين المُحِقة والمشروعة، الأمرُ الذي سينصبُ مشنقةً لأي حلٍّ لا يرتضيه السوريون.