الثلاثاء 2016/08/30

روسيا ووهم القوة في الشرق الأوسط

بعد أن لاح طيف الربيع العربي في الشرق الأوسط متنقلاً من بلدٍ إلى آخر كان الدب الروسي لا يزال قابعاً في كهفه المظلم ضمن مرحلة طويلة من السبات الشتوي ليجد في الربيع السوري بوابة النور التي قد تخرجه من ذاك السبات ليستيقظ على دماء السوريين التي أحالت الربيع العربي إلى خريفٍ غطت أوراقه صيحات شعبٍ أنتفض لأجل كرامته.

إلى سوريا راحت تتجه أنظار الروس متمسكين بمواقفهم الداعمة للأسد الذي استمات في قتال شعبه إلا أن لعجلة السياسة مسارات قد تخرج عن أية خطط ترسم ملامح حلٍ يعيد لعجلة السياسة تلك مسارها الصحيح على سكة المجتمع الدولي الذي بات عاجزاً عن امتصاص صراعات الشرق الأوسط.

روسيا ذهبت في تعنتها السياسي إلى أبعد من المتوقع لتدخل فيما بعد إلى معترك الصراع ولاسيما حين أعلنت دخولها الحرب إلى جانب الأسد متوهمة أن ذلك سيكسبها قوة مهمة في الشرق الأوسط إلا أن هذا النفوذ الذي تعتقده ليس إلا وهماً فهي في حقيقة الأمر ليست القوة المهيمنة في المنطقة.

الإعلام بدوره لم يكن غافلاً عن رسم معالم ذلك الوهم الذي باتت موسكو متعلقة به إلى حد الشعور بالعظمة حيث ركز الإعلام في الأشهر القليلة الماضية على الترويج لروسيا ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط وفي الحقيقة ساعدت الغارات الجوية الروسية بشار الأسد ليكون الطرف الأقوى في صراعه ضد المجموعات المدعومة من قبل تركيا التي قررت وبشكل مفاجئ تحسين علاقتها مع روسيا وذلك تزامناً مع توتر العلاقات التركية الأمريكية ومن جهة أخرى استخدام القاذفات الروسية لقاعدة همدان الجوية الإيرانية لتنفيذ غارات جوية في سوريا، كل هذا دفع موسكو إلى التوهم بأنها باتت تشكل قوة ضاربة في الشرق الأوسط ولاسيما بعد نشرها لمنظومة صواريخ إس 400 في قاعدة حميميم الجوية في الساحل السوري.

روسيا التي تظن نفسها تمسك بزمام الأمور ومفاصل القوة في الشرق الأوسط تواجه اليوم عدداً من القيود الجيوسياسية التي تقف أمام أهدافها في توسيع نفوها في الشرق الأوسط خاصة بعد التقارب التركي الروسي الذي لم يضع حداً لتقارب ما في وجهات النظر فيما يتعلق بالملف السوري فلو قلبنا تصريحات المسؤولين الأتراك والروس لبدا الأمر جلياً بأن الاختلاف في وجهات النظر الروسية والتركية مازال قائماً فأنقرة تعتبر من يتهمها بمساعدة تنظيم الدولة عدواً لها وهو اتهام كررته موسكو مرات عديدة متهمة أنقرة بمساعدة التنظيم وهذا بدوره يبقي الخلافات قائمة ولاسيما في الملف السوري.

وإذا ما قلبنا صفحات الأحداث التي حملتها الأيام الماضية لوجدنا أن وهم القوة الذي تتوهمه موسكو عبارة عن سراب وسط صحراء بات حرها يهدد كل من يقترب منها وليس من دليل على ذلك إلا تراجع طهران عن قرارها في السماح لروسيا بتنفيذ هجمات انطلاقاً من قواعدها الجوية حيث اتهم وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان روسيا بخيانة الثقة وذلك لأن موسكو جعلت الاتفاق أمراً علنياً وهذا يدل على عدم ارتياح تركيا وإيران بعلاقتهما مع روسيا.

حالٌ يبدو الثبات في المواقف عنوانه خاصة في الملف السوري كون كل من موسكو وطهران يتعاونان لضمان بقاء الأسد في السلطة لكن تبقى العلاقات الثنائية بين البلدين محل جدل فالمحافظون لم يستطيعوا بعد منح ثقتهم للدولة الروسية حيث إن الإيرانيين باتوا يدركون جيداً أن روسيا تستعمل إيران كورقة ضغط بهدف المساومة والحصول على تنازلات من قبل الأمريكيين وهذا بدوره يخلق العديد من التوترات في العلاقات بين البلدين.

ولو عدنا إلى العلاقات التركية الروسية سنجد أنها بحاجة لمزيد من الثقة من قبل الطرفين إلا أن وجود تركيا ضمن حلف شمال الأطلسي (ناتو) يجعلها محسوبة على الولايات المتحدة الأمريكية فتركيا بحاجة إلى الولايات المتحدة رغم حالة التوتر التي انتابت العلاقات الثنائية بين البلدين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها أنقرة واتهام واشنطن بالضلوع في هذه المحاولة ورغم كل هذا خرج وزير الخارجية التركي ليؤكد أن مواصلة العمل مع الولايات المتحدة أفضل من التودد لروسيا.

تطورات كثيرة وأحداث تشهدها المنطقة تؤكد يوماً بعد يوم أن روسيا رغم تدخلها العلني في الصراع السوري إلا أنها ليست الأقوى في الشرق الأوسط وما هي إلا لاعب ثانوي يمكن أن يزول في أي وقت إذا ما أرادت واشنطن تفعيل دور القوى الإقليمية المتمثلة بتركيا وإيران كل هذا يجعل موسكو تعيش وهماً منسوجاً من خيوط العنكبوت التي لا تكاد تصمد أمام فحيح أفعى الصراعات ولا حتى نسائم الربيع العربي التي قد تتبلور يوماً ما إلى ربيعٍ روسي يدق أبواب الكرملين في شتاءٍ ساخن قد يستمر طويلاً.