الخميس 2018/07/26

روسيا والغرب: عودة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار

منذ تدخلها العسكري المباشر في دعم بشار الأسد عام 2015، استطاعت روسيا قلب موازين الصراع بدعم دولي غير مباشر تمثل في إعطائها الضوء الأخضر لتدمير المدن والبلدات المحررة وقتل وتشريد الآلاف تحت عنوان "محاربة الإرهاب".

منذ ثلاثة أعوام أعادت روسيا للأسد مدينة حلب والريفين الدمشقي والحمصي، إضافة إلى مدينة دير الزور ونصف ريفها والجنوب السوري كاملاً، لكن ثمن العمليات الروسية كان باهظاً جداً، ولا سيما أن روسيا قامت بتجريب أسلحة دمار شامل على رؤوس السوريين وتفاخرت في ذلك على العلن.. مدن مدمرة وأرقام مخيفة للضحايا وموجات بشرية لاجئة تدفقت في دول الجوار والقارة العجوز.

موسكو مقتنعة اليوم بأن العمليات العسكرية الأساسية قد انتهت في سوريا، ولم يبق سوى ملفي الشرق والشمال السوريين، الذين باتا موضوعاً للتفاوض والنقاش مع الجانبين الروسي والتركي، ليبقى أمام روسيا بعد السيطرة على الجنوب السوري عقبتان أساسيتان:

الأولى تتعلق باعتراف الغرب "بانتصارها" في سوريا وعدم التعامل معها كدولة مجرمة تدخلت لصالح طرف فيما يفترض أنه "حرب أهلية" بحسب التوصيف الغربي للثورة السورية، وهذا لن تحصل موسكو عليه بطرق دبلوماسية تقليدية، ما جعلها تلجأ إلى باب "المساعدات الإنسانية" كمقدمة للتطبيع مع وجودها في سوريا.

بدأت ملامح هذه الخطة الروسية عبر إرسال فرنسا للمرة الأولى مساعدات إلى مناطق يسيطر عليها الأسد بريف دمشق بالتنسيق مع روسيا، ويتوقع مراقبون أن الخطوة الفرنسية قد تكون مقدمة لخطوات غربية أخرى تسمح لموسكو بالانتقال من "رعاية الحرب" إلى "رعاية السلام" في سوريا.

أما العقبة الأساسية الثانية بالنسبة للروس فتتعلق بملف إعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية التابعة لها أو لنظام الأسد، وهو ملف أضخم من أن تستطيع موسكو التكفل به وحدها أو حتى بمساعدة إيران. ما رسم في واقع الأمر ملامح "صفقة مصالح" بين روسيا والغرب.

الصفقة الروسية الغربية:

لم تكن روسيا متحمّسة قبل اليوم لفكرة إعادة اللاجئين السوريين، بل إن مصلحتها تتطلب أن يبقى في سوريا ما سماه بشار الأسد من قبل "المجتمع المتجانس" الذي يستطيع العيش والخضوع في مناطق النظام بلا مشاكل أو اعتراضات.

عقب القمة بين بوتين وترامب في هلسنكي أعلنت روسيا بدء إنشاء مراكز استقبال اللاجئين، وقام مسؤولون روس بزيارات ولقاءات متكررة مع مسؤولين لبنانيين وأردنيين لمناقشة فكرة إعادة اللاجئين، وقال المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة ، فاسيلي نيبينزيا، إن بلاده مهتمة بعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، مشيرا إلى أنها بدأت بطرح هذه المسألة في الأمم المتحدة.

ما سبب الحماسة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين؟

ذكرنا من قبل أن روسيا عاجزة عن التكفل بملف إعادة الإعمار في سوريا، وهي مطالبة بإدارة هذا الملف مقابل الصمت عن تدخلها لحسم الصراع هناك، وبالتالي كان لا بد من الدخول في صفقة ملخصها: روسيا تتكفل بحل معضلة اللاجئين والغرب ينقذ موسكو من أزمة إعادة الإعمار.

الأمر بدأ بمفاوضات مع لبنان والأردن، وقد تدخل روسيا في نقاش مع الجانب التركي خلال وقت قريب، والمؤكد أن الخطوة التالية ستناقش اللاجئين في أوروبا، ولا سيما أن ملف اللجوء هناك بات يهدد وحدة القارة العجوز ويشكل تحدّياً وجودياً لدولها.

الأمر بالطبع لا يسير وفق ما يشتهي نظام الأسد وحليفه الإيراني، اللذان يسعيان إلى إحداث تغيير ديمغرافي واسع في سوريا واستبعاد نحو 6 ملايين شخص واعتبارهم غير مرغوب بهم، وهذا ما فسّره من قبل الضابط في قوات الأسد عصام زهر الدين، الذي قال قبل أيام من مقتله في دير الزور مخاطباً اللاجئين: "نصيحة من هالدقن لا ترجعوا"، غير أن هذا الموضوع لا يعني روسيا من قريب ولا من بعيد، وهي غير مهتمّة بما يبحث عنه الأسد وإيران، هي تريد تثبيت أقدامها في سوريا والشرق والأوسط والتهرب من تكاليف حملتها العسكرية الدموية مادياً وأخلاقياً، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا بإبرام صفقات من كافة الأطراف الإقليمية والدولية، وهذا هو ما يحدث حالياً وما ستحاول روسيا تكريسه عبر إقناع السوريين بـ"العودة الآمنة"، ومحاولة تغطية السبب الحقيقي الذي ترك السوريون من أجله ديارهم وأراضيهم. كل ذلك مقابل وعود وكفالات غربية بمساعدة روسيا في ملف إعادة الإعمار.

يبدو مثيراً للسخرية أن روسيا التي قامت بتهجير السوريين وتدمير مدنهم تسعى اليوم إلى تحويل العقدة في سوريا إلى عودة اللاجئين، ليصبح مجلس الأمن بعد مدة مسرحاً لمشاريع قرارات لا تناقش مصير الأسد ولا علاقة لها بإدانة جرائم الحرب في سوريا، وتتحول الجلسات إلى ملفات إعادة اللاجئين وعقود الإعمار، وفقاً للصفقة الروسية الغربية التي كانت محوراً أساسياً ضمن أجندة النقاش بين ترامب وبوتين في هلسنكي.