الجمعة 2016/09/30

دير الزور تخسر جسورها.. لمصلحة من ؟!

طالما أن الهدف هو محاربة تنظيم الدولة، فلا ضير إذاً من حرق المنطقة التي يوجد فيها وتدميرها ، وحلالٌ إضرامُ النار فيها... بتلك الرؤية الجائرة التعسفيّة يتعاملُ التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا في الغارات على دير الزور، كون التنظيم يسيطر على معظم المدينة وكامل الريف، وسط غياب وسائل الإعلام التي تنقل ما يجري من مجازر وانتهاكات.

جسر صالحية البوكمال شرق المحافظة كان اليوم في مرمى غارات التحالف، وفي الأسبوع الماضي شن التحالفُ حملة على الجسور الحيوية في ريف المدينة، مستهدفاً جسر مدينة الميادين ، الذي يعد من أضخم الجسور في الريف الشرقي، ما أدى إلى انقطاعه عن العمل، كما استهدف جسر مدينة العشارة آخر الجسور التي تربط بين ما يُعرف لدى أبناء دير الزور " بالشاميّة والجزيرة" أي بين الريفين الغربي والشرقي، حيث كان يصل الجسر منطقة الشامية بمنطقة الجزيرة على الضفة الأخرى شرق نهر الفرات، وكان التحالف قد قصف جسورًا حيويةً أخرى في المنطقة الشرقية، منها جسر مدينة البوكمال.

هل حان موعدُ معركة إخراج تنظيم الدولة من كامل دير الزور حتى يتم عزل القرى والبلدات في المحافظة عن بعضها وتقطيع أوصالها؟

هذا هو السؤال الذي يُطرح الآن.. بالتأكيد إن الإجابة هي أن معركة دير الزور "بعيدةٌ جدا" على المدى المنظور، إذْ لا يمكنُ دحرُ التنظيم منها قبل أن يُدحر من الرقة فضلاً عن ريفها، وهذا بالطبع ليس بالأمر السهل أو الذي يتحقق بأوقاتٍ قياسية، وكذلك فإن الهجوم على التنظيم من جهة البوكمال أيضاً لا يمكن أن يتم دون طرده من الحدود العراقية، وهذا أيضًا ما لم يتحقق في ظل تأخير معركة الموصل وعدم قدرة مليشيات حكومة بغداد من التقدم في ظل هجمات التنظيم ومواصلتِه التصدّي.

فما الغاية إذاً من تقطيع أوصال المدينة في هذا الوقت الحرج، حيث يعاني المدنيون في مناطق دير الزور كافةً من ضيق الحال وعسرها في ظل انقطاع المعونات عنهم وقلةِ العمل، ناهيك عن الغلاء الجنوني في الأسعار نظراً لتهاوي العملةِ السورية أمام الدولار، وبتدمير هذه الجسور ازدادتْ مشقةُ المدنيين، حيث لم يعد بإمكانهم العبور بأمان ويسرٍ وبالمجان، بل كما يقال في الأمثال الديرية " فوق الحِمْل عْلاوة" أي على الرغم من كل ما يعانونه من فقرٍ وعازةٍ، أصبح يتوجب عليهم دفعُ مبالغ مالية للسفن التي تنقل حاجاتهم والعبور إلى أقاربهم في كلتا المنطقتين، وتلك وسيلة غيرُ آمنة نظراً لحجم السفينة وإمكانياتها الضيئلة، قياسًا بالجسر الذي يمكن العبورُ من خلاله بسلاسةٍ ويسر، وحتى هذه المعابر في بعض الأحيان ينالها استهدافٌ من الطائرات الحربية كالقصف المتكرر الذي يحصل على معبر حوايج ذْياب شامية وحوايج بومصعة غرب دير الزور، وكذلك في المعبر بين الشحيل و البوليل جَنوب النهر اللذين يستخدمها أهالي المنطقة للتنقل، وبعد تدمير جسر الميادين سرعان ما انعكس ذلك سلباً على حياة المدنيين، حيث شهدت المنطقةُ تراجعًا بحركةِ البيع والشراء في الأسواق ، وتسببت عمليةُ نقل البضائع عبر السفن بمجهودٍ شاقٍ وتكاليفَ كبيرة.

هل تأثّر التنظيم حقًا ؟

التحالف يدّعي ويتذرع بأفعال القصف هذه لقطع خطوط إمدادات التنظيم وتشتيته، لكنْ هل ذلك فعلاً تحقق من خلال تلك الضربات، الجواب لا ، حيث إن لدى التنظيم طرقًا أخرى ينقلُ بها عتاده ومقاتليه إلى أي جهةٍ أراد من خلال سفنٍ يُطلق عليها " العبّارات" حيثُ باستطاعتِها نقل أطنان من ضفةٍ إلى أخرى بوقتٍ قصير.

الهدف المعلن من تلك الضربات هو محاربة التنظيم، أما المضمر والحقيقي فهو التضييق على حياة المدنيين وتعقيد حياتهم وتعطيل حركتهم وتأزيم معنوياتهم أكثر فأكثر، وهذا ما حصل في المحافظات العراقية التي كان التنظيم يسيطر عليها، حيث دمرَ التحالفُ عشراتِ الجسور في محافظة الأنبار، ما تسبب بتقطيع أوصال المدنيين، وكان من الصعب ترميمها نظرًا للكلفة المادية الباهظة، أو لأنها تضررتْ بشكلٍ لا يمكن إصلاحه.

التحالف والنظام.. نهجٌ مشترك

سيناريو تدمير الجسور كان نظامُ الأسد قد سبق التحالفَ فيه، ويذكرُ الجميعُ عندما قام النظامُ بتدمير أقدم جسر في تاريخ دير الزور وأهم المناطق فيه وهو " الجسر المعلق" في أيار 2013 ، في مسعى منه لطمس معالم المدينة غيرَ مكترثٍ لأهمية هذا الجسر وعشق أهالي دير الزور له، وبعدها بنحو عام أكملَ النظام مسلسلَ جرائمه عندما قام بتدمير جسر السياسية في أيلول 2014 ، بالذريعة نفسها التي يتذرع بها التحالف الآن في دير الزور، ومنذ ذلك الوقت لم يستطع النظام التقدم "قيد أنملة" في دير الزور على الرغم من تدميره للجسر، حيث إن التنظيم ينقل إمداداته عبر العبّارات المائية.

إذاً فما الذي يحصل وبأي ذنبٍ تُدمَّرُ مدينة دير الزور ويواصل حلفاءُ الشر هدم بنيانها وتحطيم عمرانها وإيقاف عجلة الحياة فيها من تدميرٍ للجسور إلى قصف المباني والمنشآت الحيوية ريفا ومدينةً، إضافة إلى قتل أبنائها الذين كانوا من أوائل المشاركين في المظاهرات السلمية، وأيضًا في الصفوف الأمامية في جبهات القتال ليس في دير الزور وحدها بل في معظم جبهات القتال بالمحافظات السورية، وغاراتُ التحالف الظالمة عزلت القرى عن بعضها وجعلت أهالي دير الزور يعيشون في سجن كبيرٍ لا طاقة لهم به، بل حتى إنه يفتقرُ لمقوماتِ السجن.. فلماذا؟ !!