السبت 2016/08/27

داريا لا تحزني… سنعود قريباً

"إن البُغاثَ بأرضنا يستنسر"... لسان حال أهالي داريا اليوم تلك المدينة التي اقترن الصمود والنضال باسمها، حتى أصبح مصدر رعب في قلوب عناصر الأسد وخاصة "الفرقة الرابعة" الذين ابتلعتهم أرضُها مراراً وتكراراً وسُحقت أجسادُهم وآلياتُهم على أسوارها، فكانتْ مقبرةً لهؤلاء حتى رافقها شعارٌ سيظل مخلداً في ذاكرة السوريين " داريّا داريّا.. يا مقبرة البعثيّا".

تصبُّرٌ وتحمّلٌ لا يطيقه بشرٌ ولا حجر وقعَ على كاهل ثوارها الذين ظلوا صابرين فيها على الرغم من الحصار المفروض عليها منذ أكثر من 4 أعوام ونصف، فلا غذاء دخل ولا دواء للجرحى فضلاً عن السلاح والذخيرة وندرتِها، ومع كل ذلك رفضت الإذعان واستمر تساقط العناصر على تخومها، وتميزت بعدم تشرذم الفصائل داخلها، فجميعها ذاتُ قرارٍ واحد وجسم واحد أيضا، على خلاف الغوطة الشرقية التي تعددت فيها الفصائل، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم توحدٍ في الرؤية والأهداف وتسبَّبَ بنشوب عدة خلافات.

(لا تقولي اعذروني يا "داريا"...)

يخرجُ منها أهلُها وثوارها بأجسادهم دون أرواحهم، بعد أنْ ألقوا عليها نظرة الوداع، وقلوبهم يملأها الحزن العميق والأسى المقترن بدوافع الحب لتلك المدينة الذين ألفوا زيارة قبور شهدائها، فهي مدينة الشهداء والتضحية، خروجٌ معمّق بألم وأسى؛ فأرضُها اعتادتْ مداسَ أقدام ثوارها، لكن الوقائع والظروف المحيطة أقسى من كل شيء؛ وقائعُ جعلت النظامَ يستشرسُ عليها وينهشُ جلدها بعد أن كان "لا يعوي ولا ينبح".... فالمعذرةُ إليكِ وليس منك على الخذلان من الجيران الذين لم يردوا الدَّينَ لك عندما لبيتِ نداء "درعا" منذ الأيام الأولى للثورة عام 2011.

(من السبب وهل انتصر النظام حقًا ؟!)

يرى الكثير أن داريا هُزمتْ وأن في دخول النظام إليها نكسةٌ للثورة السورية، غير أنه مفهوم خاطئٌ جملةً وتفصيلا؛ فالمدينة صمدتْ واستمرت بالوقوفِ على قدميها مدة أكثر من أربع سنوات، وعلى وقع دمار وقصف بالبراميل المتفجرة صباح مساء، وكلُّ ذلك لم يفتحْ بابًا لمليشيات الأسد في الدخول إليها، فقد كان باستطاعتها الصمودُ أكثرَ قبل توقيع الاتفاق الذي تم بموجبه خروج الثوار والمدنيين منها، غير أن الثوار قدَّموا المصالح والمفاسد، فالمصلحة تقتضي بتأمين حياة 4 آلاف مدني محاصرٍ فيها إذْ أدركوا أنْ "لا حياةَ لمن تنادي" بعدَ إطلاقهم الاستغاثات وصيحات الفزعة إلى الجبهة الجنوبية التي لم تَخُضْ معركةً هجومية منذُ شهور عديدةٍ وأسلحتُها الثقيلةُ وعتُادها غطاها الغبارُ وتكاد تصدأ ، فضلاً عن المعركة الدفاعية التي لم تتدخل فيها وهي المعركة التي خسرت فيها حوران مدينةَ الشيخ مسكين أهم المدن في الجنوب، والتي سقطت أوائل العام الجاري ولم تُحرِّكِ الجبهةُ الجنوبيةُ ساكنًا تلاه سقوط بلدةُ عتمان... ومن هنا أيقن ثوارُ داريا أن خروجهم أفضلُ من البقاء في منطقة محاصرة، وكان باستطاعتهم تمريغُ أنفِ النظام بالتراب أياما وشهور أُخر... فعلى من انتصر النظام الخوّار، وهل يسمي أساليبَهُ الانهزاميةَ هذه نصرًا !

خروج الثوار أيضًا سيُمكّنُ لهم مواصلة القتال في جبهاتٍ أخرى توجع النظام وخاصةً في حلب، وما يؤكد ذلك رفض الثوار الكامل لخروجهم إلى الجنوب ما يدل على غضبهم الكبير من الجبهة الجنوبية، وأصروا على الخروج إلى الشمال في إدلب، للوصول إلى الثوار في جيش الفتح؛ "جيش الفتوحات المدوية".

سياسة "النفَّسِ الطويلِ" يتبعها النظام في قضمه للمدن المحررة رويدًا رويدا؛ سياسةٌ تقوم على حصاره لمنطقة وركود قتالِه في أخرى، فتظن بذلك الجبهة الراكدة أنها بمنأى عما يجري وأنها خارج الحسابات، وهو الشعور الذي يهمينُ الآنَ على قادة الجبهة الجنوبية الذين يظنون أنفسهم باقون، وأنْ لا متغيراتٍ ستحصل مستقبلاً، وقد أطبقَ النظامُ من خلال تلك السياسة على مناطق عدة في حمص ودمشق.

أسئلة عدة تطرح على الطاولة الآن ضد قادة الجبهة الجنوبية بعد خذلانهم داريا، فلماذا لم تحرك الجبهة ساكنا وعلما أنها تضم أكثر من 25 ألف مقاتل، فضلا عن السلاح الثقيل، فماذا يصنعون وماذا ينتظرون؟ ! وبأي وجه سيلاقون أبناء داريا، الأمرُ الذي يحتم على العناصر المنضوين في صفوفها التحرك سريعا لتغيير هؤلاء القادة الراضخينَ والمأسورين تحت إملاءات خارجية لا تريد لثورة الشعب السوري النصر.

(سنعود داريا..)

خرجوا بأجسادهم وبقيت أرواحُهم متعلقة بجدران وأزقة تلك المدينة متوجهين إلى قتال جديدٍ في حلب، حيثُ لا رضوخَ لأجنداتٍ خارجية وضغوطاتٍ تجردك من إنسانيتك.. هناك مع ثوارِ جيش الفتح الذين سطروا بدمائهم أعزَّ الانتصارات على الرغم من قلة الإمكانيات... وفدٌ كريمٌ من أبطال ثوار داريا له المجد والفخر سيُشاركُ بدمائه في ملاحمِ حلب القادمة، وكلهم وكلنا أملٌ في شقِّ الطريق منها إلى دمشق إلى داريا لتكون عودةً حميدةً بعدَ خروج لن يطول... وهذا وعدٌ قطعَهُ أبناؤها على أنفسهم ووعدُ الثوار الحقيقينَ لها ولكل المدن السورية المغتصبة.