الخميس 2019/04/25

حين يكون “الرقص على الخازوق” عنواناً للوطنية والإخلاص للطغاة!

قد يتعرض الآدمي للظلم والاضطهاد والإقصاء والسرقة والتعذيب، فيسكت و"يحط ملح على الجرح" كما يقال في العامّية، حفاظاً على حياته، أو مداراة للحفاظ على شيء ما يخشى ضياعه، لكن..أن يتعرض الإنسان لكل هذه الجرائم فيرقص، فهذا مما لا يستوعبه العقل السوي والفطرة البشرية.

هذا السيناريو الرهيب هو بالضبط ما تعرضت له بعض الشعوب العربية، التي وجد جلادوها في الرقص عنواناً يثبت لها مدى موالاة شعوبهم ومقياساً للوطنية والإخلاص.

في سوريا مثلاً.. يذكر الجميع كيف أمضى السوريون عقوداً من الزمن في عهد حافظ الأسد، يُقيمون الاحتفالات وحلقات الدبكات في المناسبات "الوطنية والقومية"، إضافة إلى مناسبات "تجديد البيعة" الشهيرة، ولم يختلف الأمر نهائياً في عهد وريثه بشار الأسد، حيث استمر استخدام مقياس الرقص والدبك، لقياس "وطنية المواطن"، ومن الطرائف التي تروى في سوريا أن المسؤولين صغاراً كانوا أو كباراً يجب أن يتقنوا الدبك في مختلف المناسبات، لأنهم يجب أن يكونوا على "رأس الحلقة".

أما في مصر، فالأمر يسير على مبدأ "حدّث ولا حرج"، إذ يتجاوز الرقص المناسبات الوطنية، لتستخدمه سلطات النظام المخلوع مبارك مثلاً، أمام اللجان الانتخابية كوسيلة لإظهار حجم الفرح والإقبال على التصويت، إضافة إلى مشاركة النساء للرجال في هذه المظاهر "الاحتفالية". وبعد إسقاط مبارك ثم الانقلاب على محمد مرسي، لم تلبث هذه الظاهرة الشنيعة أن عادت إلى الظهور بشكل أكثر قرفاً في عهد زعيم الانقلاب عد الفتاح السيسي.

رقص على وقع أزمات وجرائم ضد الإنسانية:

يعود مفهوم الرقص إلى واجهة الحدث مع ظهور مشهدين على وسائل الإعلام العربية، تختلف مناسبتهما، غير أنهما يختصران المشهد مع فشل تجربة الربيع العربي في كل من سوريا ومصر.

في سوريا.. يعيش المواطنون في مناطق سيطرة الأسد أزمة غير مسبوقة من نقص الوقود والمحروقات والخدمات الأساسية، وتنقل عدسات التصوير طوابير عملاقة بانتظار الحصول على ليترات قليلة من "البنزين"، وتنشر مواقع التواصل صوراً حقيقية لعودة الناس إلى التنقل البدائي عن طريق الخيل والحمير. وفي هذه "العجقة" الخانقة، لم تجد وسائل إعلام النظام حلاً لتبرير ما يحصل، إلا بنقل حلقات الرقص والدبك أمام "الكازيات"، والتي تُرجِمت بأنها رسالة من السوريين تدل على "صمودهم" أمام "الحصار الاقتصادي"!، يأتي هذا طبعاً بعد ثماني سنوات لم يكن عنوانها نقص البنزين والمحروقات.. بل كانت شاهداً على ارتكاب نظام بشار الأسد كل أنواع الجرائم بحق الإنسانية، من أجل البقاء في الحكم.

وفي مصر.. مرّر نظام السيسي الانقلابي في البرلمان مشروع التعديلات الدستورية، التي تتيح للسيسي البقاء في الحكم بالمدة التي يريدها، وبالسلطات التي يشتهيها، ثم تحول الأمر إلى استفتاء الشارع بالموافقة على هذه التعديلات. وأمام إحجام عن التصويت بحكم أن النتيجة "محسومة سلفاً"، اختار إعلام السيسي تغطية الاستفتاء بنقل حلقات الرقص أمام لجان الاقتراع، ليثبت للعالم أن المصريين ليسوا فقط راضين عن هذه التعديلات، بل إنهم يحتفلون بإقرارها!.

بين الرقص أمام الكازيات والفرح بعودة سوريا إلى عصر الحمير والبغال، والرقص أمام صناديق فرضها السيسي على المصريين بالحديد والنار والقيود، حكايات طويلة تختصر واقع الحال التي وصل إليها السوريون والمصريون، وتختصر كذلك حجم القهر والاستبداد و"التدجين" الذي يُجبر الإنسان المُستعبَد على أن "يرقص على الخازوق"، كي يثبتَ لجلاده وسيّده أنه راضٍ بما يحصل له، ويحتفل فرحاً بمواصلة طقوس الاستعباد والاستحمار.