الأحد 2016/10/16

جمهورية سائق التكتوك

حرص أعداء الشعب المصري على إظهاره شعبا متخلفا غبيا خارج العصر، وتجلى ذلك في وسائل إعلام نظام الانقلاب، فقد فشت مؤخرا ظاهرة فيديوهات استطلاع الرأي بين الشباب، تلك الاستطلاعات؛ التي تظهرهم جهلة ومتخلفين، ودهماء غارقين في الحشيش؛ فإذا قلب المرء اليوتيوب فسيجده يعج بهذه التقارير ،التي صنعتها الفضائيات المصرية مع شباب مصري أو فتاة في الشارع، وعلى الغالب يكون هؤلاء من طلاب الجامعات، ثم تكون المفارقة أن هذا الشاب الجامعي عاجز عن الإجابة عن أسئلة بديهية، والمثير للانتباه أن المجيب غارق في غيبوبة، كما حصل في آخر استطلاع للرأي حيث كان السؤال أين ستصلي صلاة 6 أكتوبر؛ فكانت الإجابات سريعة دون تفكير في مسجد الحسين أو عندنا في المسجد في شبرا ، ولا ينسى المرء السؤال الشهير : عندما تستهلك مصر حصتها من الأكسجين ماذا تفعل؟؟ ، فكانت الإجابات نستورد من أمريكا أو السعودية أو اليابان ، ودائما كان الضيوف من فئة الشباب الجامعي.

كان المصريون دائما أهل طرفة وفكاهة، وقد سجل نقاد الأدب غير ما مرة هذه الملاحظة، وهذه الروح الفكاهية سمة تميزوا بها منذ عصر الفراعنة، فقد سخروا من كل شيء؛ من أنفسهم، ومن الأوضاع السياسية، وقد كتب المصريون النكتة على الجدران والحجر الجيري، أو على الفخار، فيما يعد مقدمة لفن الكاريكتور الحديث.

هذه السمة التي تميز بها المصريون أراد النظام استغلالها لتقديم صورة للشعب المصري بأنه منفصل عن الواقع يغرق في غيبوبة محاولاً استثمار هذه الميزة عند المصريين للعبور إلى تعفين الوعي؛ فكل ما يظهر على الشاشة حالة من الهبل غير المفهوم من ظاهرة توفيق عكاشة، إلى اختيار فيفي عبده أُمّا مثالية، إلى زيارة السيسي إلى ألمانيا برفقة الفنانين والراقصات.

فجأة ظهر سائق التكتوك، الذي لفت نظر الجميع، بأفكاره الدقيقة، ومسحه الكثيف للتاريخ المصري، وربطه الاقتصادي بالاجتماعي بالتاريخي وقد تلقت الشعوب العربية هذا الفيديو بإيجابية منقطعة النظير؛ ليس لأن هذا الرجل تكلم عن الفساد بشجاعة، فالكثير من المصريين يتكلمون كل يوم عن هذا الداء؛ ولكن الحقيقة الكامنة في هذا الإعجاب أن كل عربي رأى نفسه في هذا الشاب، رأى الوعي العميق والتميز، ورفض فكرة البهيمية؛ التي تلصق به، لم يكن هذا الشاب سائقا للتكتوك؛ بل اختصر مصر الحقيقية ، كان طه حسين ،والعقاد، والمازني ، والمنفلوطي، ومحمد عبده، وأحمد حسن الزيات، وأحمد شوقي، ويحيى المشد، ونجيب محفوظ ، وعبد الباسط عبد الصمد ، وسيد قطب، ومحمود محمد شاكر، وجحافل العلماء والمفكرين المصريين، الذين لا تتسع الصفحات لذكرهم .. كان هذا الشاب اختزالا لمصر الحقيقية مصر العظيمة، قبل أن يستولي عليها جنرالات يبيعون الأوطان بالرز ..