الثلاثاء 2017/08/01

جثث متفحمة وفردة حذاء !

إذا كنت تسكن في منطقة يسيطر عليها تنظيم الدولة فاحفظ نمرة وألوان أحذية أبنائك وأقربائك، فأنت لا تدري في أي وقت تقصف طائرة مجهولة التبعية مكان إقامتكم أو ملعب أطفال أو بقالية تبيع الأطفال حلويات، وقد حصل كثيراً أن قصفت طائرات التحالف الدولي أو طيران الاحتلال الروسي والنظام ملاعب الأطفال.

الأم بطبيعتها تهتم بكل ما يتعلق بفلذة كبدها، وتحفظ أدق تفاصيل جسده، فهي التي حفظ قلبها ملامحه قبل أن تراه بعينيها، وكان هذا حال "أم محمود" التي ودّعت زوجها شهيداً بقصفٍ على مدينة ديرالزور، فخافت على وحيدها وهربت به متجهة شرقاً إلى مدينة الميادين.

لازلت أذكر يوم أطلقت طائرة تابعة للاحتلال الروسي صواريخها على مدنيين كانوا يصلّون أمام دكاكينهم بالمنطقة الصناعية في مدينة الميادين، وذلك بعد "فتوى" للتنظيم تجيز لهم ذلك لبعد المسجد عن مكان عملهم، كان الوقت ظهراً، ذهبت لأستطلع المكان المسهتدَفَ وأعرف أعداد الشهداء الذين سقطوا وأسماءهم، لتظهر أرواحهم على شكل أرقام على شاشات الإعلام، رأيت في المكان المستهدف عنصراً من عناصر التنظيم ينهش من شطيرة يحملها فوق مكان الأشلاء والدماء، ويصرخ بـ"أم محمود" أن تغطي وجهها.... كانت تبحث بين الأشلاء عن "فردة حذاء" لابنها كي تتأكد من أن الجثة التي رأتها في ساحة البلدية بين جثث الضحايا المتفحمين تماماً، موجودة في مكان القصف.

أجل.. فقد نقل عناصر التنظيم الجثث إلى تلك الساحة كي يتعرف ذووها عليها، كان عددها عشرةً، لا ترى من ملامحها إلا العيون التي خرجت من محاجرها، بلا شعر ، وبلا ستر، لم تجد "أم محمود" التي أمرها عنصر التنظيم أن تغطي وجهها، بين كوم اللحم الذي ألقي في الساحة، العلامة التي تميز بها ابنها وهي وحمة على كتفه الأيمن، فقررت البحث بين أحذية الشهداء علّها تجد حذاء ابنها الوحيد، كانت تصيح بالواقفين على الأرض التي وقعت فيها المجزرة: "حذاؤه أسود وعليه خطوط زرقاء، نمرته ستة وثلاثون "، بحث الجميع معها ليجد أحدهم فردة حذاءِ ابنها مضرجة بالدم، لم يكن منها كثكلى إلا أن تصيح، ليعود ذلك العنصر "التونسي اللهجة" لزجرها ومنعها من أن تبكي ولدها، فحضنت فردة حذائه ..

شمّتها.. قبّلتها ومضت تنوح وتبكي.. عدت إلى بيتي وقد جعلتني الحادثة أبدأ بحفظ ألوان أحذية أبنائي!