الأثنين 2016/05/23

” ثمن الفدية “

قد يبدو العنوان غريبا، او ركيكا حتى، فالفدية أصلا،هي ثمن لتحرير رهينة أو أسير مثلا، فكيف يكون للثمن ثمن؟ الإجابة هي أنه مادام الأمر يحصل في سوريا فلا غرابة ولا ركاكة، بل إن للفدية ثمن، لكن ما هو هذا الثمن ومن سيدفعه؟

تداولت وسائل الإعلام العالمية منذ أيام خبر الإفراج عن ثلاثة صحفيين إسبان كانوا معتقلين لدى جبهة النصرة، ولم تنس الصحافة طرح الأسئلة الواجبة في هذا المقام، باستثناء سؤال ضروري يتعلق بالسوريين، تداوله بعض المعلقين من باب رفع العتب ربما.

أسهب الصحفيون في تفاصيل عملية الاختطاف، وكيفيتها ومدتها،والظروف التي أحاطت بها، ولم ينسوا بالطبع، الفدية التي قبضتها جبهة النصرة والتي كانت موضع تساؤل الجميع، من حيث قيمتها والجهة التي دفعتها والوسيط او الوسطاء الذين شاركوا في العملية.

لكن السؤال عن فائدة هذه العملية أو ضررها على السوريين فهذا بالضبط ما نسوه أو تناسوه.

أما عن الفوائد من تلك العملية و مثيلاتها من عشرات العمليات المشابهة التي شهدناها طيلة أعوام الثورة السورية، فإنه مما لا يخفى على متابع أنه لم يستفد أي سوري من عملية الاختطاف والإفراج حسب علمنا، فالأموال قبضتها جبهة النصرة وأحيطت بستار من السرية من حيث كميتها والجهة التي دفعتها، وطوي الموضوع وكأنه لم يكن .

وإذا كانت الفائدة قد احتكرتها جبهة النصرة فإن الأضرار توزعت بطريقة يصعب حصرها أو وصفها، وأقل تلك الأضرار هو أن سوريا، والمناطق المحررة بشكل خاص، خلت من الصحفيين الأجانب الذين اعتادوا نقل معاناة السوريين إلى العالم ناهيك عن الصورة المظلمة لتلك المناطق أمام العالم و التي لا يستطيع صحفيٌ أن يأمن فيها على حياته. هذه الصورة تقابلها صورة نظام الأسد الذي حرص خلال الأشهر الماضية على دعوة الصحفيين الأجانب لزيارة المناطق الخاضعة لسيطرته و ضمن لهم الأمان و السلامة.

سيحتج الخاطفون بأن العالم لم ينفع السوريين بل وقف مع النظام، وهذا صحيح لكنه يستخدم في سياق مغلوط لأنه إن صح أن حكومات الغرب لم تقف معنا فالشعوب فعلت، واستقبلت لاجئين وساعدتهم، وأرسلت مساعدات إنسانية الى سوريا، لكنها أصبحت شحيحة ببركة عمليات الخطف التي شملت حتى موظفي الاغاثة.

وإذا أضفنا الى ذلك عمليات الذبح أمام الكاميرا التي يمارسها "تنظيم الدولة" نصبح أمام مشهد طارد تماما لأي أجنبي مهما كانت مهنته أو دوافعه.

ولعل الضرر الفادح هو الضرر الأخلاقي، لأن الجهة الخاطفة ترفع راية إسلامية، ومع ذلك لم تتعامل مع الامر بطريقة إسلامية، لأن الصحفيين يدخلون عادة من معابر تسيطر عليها فصائل إسلامية أيضا ويفترض ان مجرد السماح للصحفي الأجنبي بالدخول يعتبر عقد أمان من الناحية الشرعية (يجير أدنانا على أعلانا)، فما مدى شرعية احتجازهم؟، أليس هذا تناقضا مع ما ننادي به من احترام كرامة الانسان وحريته؟

سيقولون انهم جواسيس ولديهم أجندات، حسنا، هل سمع أحد بأن صحفيا أجنبيا اعتقل في سوريا وخضع لتحقيق ومحاكمة وثبت انه جاسوس؟ ثم انه لو كان جاسوسا فهل التعامل مع الجاسوس يكون بإطلاقه مقابل فدية مالية؟ لم نسمع مع الأسف لا بإدانة صحفي أجنبي ولا ببراءته، ناهيك عن نشر تحقيق مهني يبرر التعامل معه بهذه الطريقة أو تلك.

بعض المتعاطفين مع النصرة سيقولون ان الجبهة نصرت السوريين وبلاؤها في القتال كان عظيما وهي بحاجة الى تمويل تعجز عن توفيره بطرق أخرى، فهل الغاية اذا تبرر الوسيلة؟ ألم يسمعوا قول الله تعالى :"وأعدوا لهم ما استطعتم ..."، فإذا كانت الاستطاعة محدودة فهل نحن مكلفون بما هو فوق طاقتنا؟

ها قد غاب الصحفيون الأجانب وغابت بغيابهم مآسي السوريين عن شعوب الغرب، وها قد غاب موظفو الاغاثة وغابت أو كادت، المساعدات الانسانية الغربية عن مخيمات اللجوء في الداخل السوري، وغابت أشياء كثيرة لعل أهمها هو غياب معيار موحد للتعامل مع الاجانب لدى بعض الفصائل المقاتلة، فهذه لا ترى في الأجنبي سوى فرصة ثمينة لتحقيق أرباح مضمونة، وبالتالي فأين أخلاقنا؟ لن نسأل أين ديننا فقد أضعناه منذ تركناه بين ايدي الذين يمتهنون ليَّ اعناق النصوص الشرعية لتوافق مصالحهم أو أهواءهم.

لعل هذا أقل ما يقال في ثمن الفدية الذي يدفعه من لاحول ولا قوة لهم من السوريين.