الأحد 2017/06/04

تنظيم الدولة .. الوحش الأخير

يعيش تنظيم الدولة أسوأ حالاته هذه الأيام، في وقت يشتد فيه وطيس المعارك ضده في مدينة الرقة، واقتراب تبخره من مدينة الموصل، وتعالي الأصوات داخل أروقة صناع السياسة، والشارع المتابع لمسيرة التنظيم عن مآلات مستقبله، وأين سينتهي به المطاف في سوريا ؟

لا يمكن الحديث عن مصير التنظيم في سوريا دون استقراء ما يدور في العقلية الأوربية التي باتت تتوجس خيفة من هجماته على مدنها، بعد توعد قادة التنظيم دول التحالف الدولي صاحب الضربات الموجعة لمواقعه في سوريا، والتي حصدت كثيراً من العقول المدبرة فيه.

تحذير المفوض الأوروبي للأمن جوليان كينغ من تدفق "جهاديين" من تنظيم الدولة إلى أوروبا في حال سقوط الموصل، يستدعي نظرة أشمل لهذا التصور وخاصة أن هزيمة تنظيم بدأت بالتمدد في سوريا، ولا سيما أن عناوينها باتت تتكشف جلياً ابتداء من عمليات الإنزال الجوية التي يقوم بها التحالف في كل من ديرالزور والرقة بهدف سحب عملائه المزروعين بدقة استخباراتية داخل التنظيم، وكذلك اعتقال قيادات له بعمليات مُحكمة، إضافة لإبرام التنظيم اتفاقيات انسحاب من كثير من المدن الخاضعة له بريف الرقة، وقبضه أموالاً بوساطة المليشيات الكردية، وخاصة في مدينة الطبقة، وتسليم سد الفرات لتلك المليشيات، ما يشي بحجم الضائقة المالية التي يعاني منها، وما ينعكس جلياً على أرض المعركة في التقهقر المتوالي إذ خسر التنظيم مؤخراً حوالي 30 قرية جنوب وشرق حلب لصالح قوات النظام.

وبالتالي فإن معركة مدينة الرقة ستكون لقمة سائغة أمام المهاجمين لأن التنظيم سحب كل عدته وعتاده إلى ريف ديرالزور الممتد عبر الصحراء مع العراق، إذ تشير كل التحليلات إلى أن لجوء التنظيم إلى حفر الخنادق بمحيط الرقة ماهي إلا خطوة عسكرية تكتيكية لإيهام خصمه بأنه في حصن منيع.

وبذلك أصبحنا أمام فرضية الوحش الأخير الذي يبدو أنه سينحصر في ريف ديرالزور حيث تُعدُّ الخطط العسكرية وراء الكواليس لكي نشهد المقتلة الكبرى بحق التنظيم، وهروب فلوله إلى صحراء الأنبار العراقية بالتزامن مع انسحابات مفاجئة من للتنظيم من مناطق سيطرته في ريفي حمص وحماة، ولا يستبعد في ذلك الوقت الاعتماد على انشقاق مكونات التنظيم من العناصر المحلية التي ستسرع من عملية زواله وجودياً في سوريا.

لكن أمام هذه السيناريو يرى مسؤولو الاستخبارات الغربيين أن ما تشهده أوروبا من هجمات دامية ماهي إلا مرحلة جديدة وتكتيك جديد انتقل إليه التنظيم للمحافظة على كينونته عبر اتباع أساليب ما يسمى المعارك المتخفية من خلال استشراس مَن يحملون فكر التنظيم في بلاد أوروبا أكثر، والبدء بتكاثر خلاياه عبر تغيير جلودهم وتنعيم لحاهم وتماهيهم مع المجتمعات التي يعيشون بها بفضل مكرهم وقدرتهم على التلطّي وراء شعارات جديدة قادمة من ثقافة تلك المجتمعات التي ينتشرون فيها، بالضبط كما حصل مساء 14 تموز 2016 في شارع "متنزه الإنجليز" بمدينة نيس الفرنسية في اليوم الوطني عندما أقدم شاب مخمور ومعروف بالانحراف يركب سيارة شاحنة، على دعس المارة وإيقاع العشرات منهم بين قتيل وجريح، وتبنى التنظيم بعد ذلك العملية، إضافة إلى هجمات مغايرة في بريطانيا وبلجيكا وألمانيا.

قدرة خلايا التنظيم على التماهي والتخفي تؤكد قدرته على الاستمرار أيديولوجياً، فتارة ترى عنصر التنظيم بدوياً في عَرض الصحراء وتارة ضابط برتبة عراقية عالية يتجول بسيارة همر على نقاط السيطرة التابعة لحكومة بغداد فما هي إلا لحظات وتدخل الهمر في قلب ثكنة عسكرية وتجعلها آثراً بعد عين.

كل هذا يضعنا أمام فرضية مفادها، هل نحن نواجه في هذه الأيام سقوط تنظيم الدولة ? أم كسراً لفكرة "الخلافة الإسلامية" نفسِها ؟.