الخميس 2017/09/14

ترامب والأسد.. من يرحل أولاً !؟

لم يعد خافيا التأثير السلبي على مسار الثورة بسبب تغير الاستراتيجية الأمريكية تجاه الملف السوري وسحب واشنطن يدها علناً من دعم المعارضة والشعب السوري، وتركه فريسة أمام نظام الأسد وحلفائه متعددي الأعراق والأديان والأهداف، وهو ما أتاح لروسيا أن تحيك اتفاقيات سياسية وعسكرية وفق ما تهوى كاتفاقات أستانا و"وقف" "وخفض" "وتخفيف" التوتر، التي فَرضت بالنهاية على المعارضة القاصرة سياسياً وعسكرياً واقعا على الأرض لا يصبّ إلا في صالح الأسد.

 

الانقلاب الأمريكي على الثورة السورية -إن صح التعبير- تمخض عن رؤية الإدارة الجديدة للبيت الأبيض التي لم يُخف سيدها دونالد ترامب إعجابه بالأسد قبل فوزه بالانتخابات ورغم اتخاذه موقفا أكثر حزما من سلفِه أوباما ضد الأسد عند استخدام الأخير للسلاح الكيماوي في خان شيخون وأمرِه البوارج الأمريكية بضرب قاعدة الشعيرات بعشرات الصواريخ، إلا أن تلك الضربة تبين أنها لا تعدو عن كونها "طيشة خلبية" وخالية من التبعات السياسية من ترامب المشهور بالمواقف المتسرعة.

 

ومما لا شك فيه أن الالتفاف الأمريكي على الثورة فتح الباب لموجة مماثلة من المواقف المتبدّلة حيال سوريا لدى دول تمسكت بمعارضتها للنظام وكانت رؤاها متباينة خلال السنوات السبع الماضية بين ضرورة رحيله ودعم الثورة أو على الأقل قطع العلاقات مع النظام بشكل كامل، ثم ما لبثت تلك الدول أن عادت عن كل الرؤى المعلنة، ومنها من لم يعد يرغب برحيل الأسد كفرنسا، وآخرون سحبوا البساط من تحت معارضيه كالأردن والسعودية، فضلاً عن مواقف دول أخرى بدأت بالتذبذب.

 

وعلى اعتبار أن المواقف الدولية والإقليمية الجديدة مرتبطة ومرهونة برؤية واشنطن، فإن ذلك يعزز فرضية أن العداء المزعوم لتلك الدول مع الأسد لم ينبع من حجم الفظائع التي ارتكبها بحق السوريين وإنما جاءَ وفق الهوى الأمريكي وهنا أيضا يمكننا القول إن ذلك العداء سيعود كما كان في حال قررت واشنطن الرجوع إلى المربع الأول واستحضار الحديث مجدداً عن إقصاء ومعاقبة الأسد وهي مهمة سهلة إذا ما تعلق الأمر ببشار الأسد ذي السجل الدموي الغزير بالأدلة الثابتة والكفيلة بإدانته كمجرم حرب.

 

عندما يرى السوريون مصيرهم متأرجحاً بين تسويات الدول ومصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية، يبدأ البحث عن أسباب وتطورات لو حصلت قد تخرق تلك المنظومة الدولية التي اتفقت حالياً كما يبدو على إعادة تجميع نظام الأسد في المستقبل القريب على الأقل، وأول ما يخطر في البال من تلك الأسباب هو انتهاء شهر العسل الطويل بين بوتين وترامب على الأرضية السورية، وهذا لا إخاله يتحقق إلا في حال صدقت التنبؤات باستقالة مبكرة أو إقصاء لترامب من رئاسة الولايات المتحدة، على خلفية القضايا المشبوهة التي تلاحقه داخلياً وفي مقدمتها ملف التدخل الروسي في الانتخابات الأخيرة، فضلاً عن الخلاف المتنامي بين إدارة "الرئيس الأشقر" والمؤسسة الأمريكية العميقة، حول التعامل مع الملفات الخارجية كالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ وعدم توازن موقفه في الأزمة الخليجية، ومسائل النزاعات العنصرية الداخلية.

 

ويبرر من يسوده الاعتقاد أن إقصاء ترامب في الوقت القريب سيتيح المجال فورا لإقصاء دولي للأسد، بأن الرئيس الأمريكي الذي سيحل خلف ترامب سيستفتح أولى خطواته بتمزيق ما أبرمه الرئيس المُقال مع الغريم المنافس لروسيا، ولا شك أن ما جرى بين الجانبين في سوريا قد يكون أعلى مستوى من التفاهم بتاريخ البلدين منذ عقود، وهو ما يثير حفيظة طبقة لا يستهان بها من الأمريكيين كأنصار السيناتور والمرشح الرئاسي السابق جون ماكين الذي كان يدعو دائما لتدخل عسكري يطيح بالأسد، ويعيد لأمريكا هيبتها بمنطقة الشرق الأوسط بعد أن فرّط بها ترامب وقبله أوباما لصالح روسيا وإيران.

 

في أوج صراع المصالح وتضارب الاستراتيجيات بين الدول نجد أن كل ما سبق يندرج ضمن سياق التوقعات والتكهنات في أحسن الأحوال، و ربما يرى البعض أن التعويل على تغيير رؤساء دول عظمى هو مجرد "أضغاث أحلام" مبنية على العواطف لـ"غريق يبحث عن قشة"، لكن مهما يكن فإن الحقائق الثابتة تقول إن الثمن الذي سيدفعه العالم مقابل ترك الأسد يفلت من العقاب ومحاولة إعادة تجميعه، أكبر بكثير من معاقبته وإقصائه، سواء على صعيد ملف اللاجئين أو تضاؤل آمال عودة الاستقرار للبلاد، وفوق كل هذا يبقى إبعاد الأسد عن المشهد هو السبيل الوحيد للمجتمع الدولي، لتبييض صورته أمام الشعب السوري الذي تخلى عنه العالم في أكبر محرقة عرفها التاريخ الحديث.