الجمعة 2016/11/11

ترامب المنتظر !!

لا يخفى على من تابع مُسلسل انتخابات الرئاسة الأمريكية أن ثمة ارتياحاً لا بأس به لدى إيران وتابعيها بالمنطقة من حكوماتٍ ومليشياتٍ بعد النجاح غير المتوقع لدونالد ترامب ووصوله المفاجئ إلى البيت الأبيض.
ارتياحُ طهران من ترامب لم يظهر بالطبع في الموقف الرسمي للبلاد إلا أن عدة مؤشرات وتصريحات جانبية أظهرت تفضيل إيران لترامب على هيلاري كلينتون ، علاوة على بهجة الانتصار التي أظهرها أنصار الولي الفقيه بالمنطقة بعد فوز ترامب ، ولا سيما في سوريا والعراق حيث ينتاب إيران تفاؤل فيما يخص مصالحها في هذين البلدين ، فنظرية ترامب في الحرب على تنظيم الدولة هي بدعم الحكومات العربية التي تحارب التنظيم بغض النظر عن أنها حكومات تقتل شعبها في إشارة إلى نظام الأسد وفي نفس العقلية ينظر ترامب إلى الوضع في العراق في دعم قوات حكومة بغداد وحلفائها من المليشيات الشيعية التابعة لإيران.

كل ما سبق ليس جديداً على سياسة الغرب الحالية في سوريا والعراق ، لكن الجديد هو إضفاء الشرعية الكاملة على القوى التي حملت لقب قتال تنظيم الدولة من الحشد الطائفي الشيعي إلى بشار الأسد وجيشه المخلخل ومرتزقته الأجانب ، والأهم من هذا كله هو المبالغة وازدواجية المعايير في إلباس تهمة الإرهاب الذي ارتفعت وتيرته مؤخراً في قواميس الأمريكان ، فربما سيتفاقم ليصل لإدراج الثوار السوريين تحت هذا البند وجمعهم في الحسابات الدولية مع تنظيم الدولة ، وهو ما تسعى إليه طهران وموسكو، ففي حال صدقت التكهنات السابقة فذلك سيحقق لإيران وأتباعها الشيعة حلمهم بالمنطقة أكثر من المهدي المنتظر نفسه !! ولهذا لا نستغرب أن يرسل حزب الله القيادي السابق محمد حاج حسن ليناصر حملة ترامب الانتخابية ، وليطمئن بعدها أصدقاءه بعدم القلق من التصريحات المعادية للمسلمين من الرئيس المثير للجدل ، فالمقصود بالاستهداف وفق تطمينات القيادي الشيعي هو الطائفة السنية !! دون المساس بنزلاء كربلاء وقمْ وفق نظرة قيادي الحزب. ‬

إذاً لا مشكلة دينية لدى طهران مع ترامب المعادي للمسلمين ، على الأقل في المدى القريب فإيران لا تمانع أن تتحالف مع الشيطان الرجيم من أجل تحقيق أهدافها السياسية بالمنطقة ، ولنا بذلك مثال في تحالفها مع روسيا في سحق الشعب السوري الثائر ، رغم أن روسيا قد لا تجد مشكلة مع إيران سوى بمسألة الأيديولوجيا ، وعلى الرغم من أن حكومة الولي الفقيه تتخذ من الإسلام شعاراً ومظهراً إلا أنَّها لا تفضل أن تعادي الإدارة الأمريكية من أجل أسباب دينية ، فهي ليست مستعدةً بعد أن قطعت شوطاً كبيراً للوصول إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة ، أن تهدم ذلك الاتفاق الذي فتحت به صفحة جديدة مع الغرب ، وأنهت خلاله سنوات من القطيعة والحصار الاقتصادي ، والأهم من ذلك جمدت تهمة الإرهاب عن ميليشياتها ، ومنحتهم صك براءة ليصولوا ويجولوا أينما اقتضت مصلحة إيران دون أية عوائق.

وفي الجهة المقابلة تتضارب تصريحات ترامب بخصوص الأسلوب الذي سيتبعه بالتعامل مع إيران ، فتارةً يصفها بالدولة الماكرة وأخرى يتهمها بمنبع التطرف والأهم هو تهديده أكثر من مرة بإلغاء الاتفاق النووي الذي يصفه بالخاطئ ، ورغم ذلك لا تبدو حكومة طهران قلقة من تلك التصريحات التي يعلم الجميع أنها لن تُعتمد في بناء قرارات مصيرية ، كما أن البيت الداخلي الأمريكي متمسك بالاتفاق النووي أكثر من إيران نفسها ، وفي هذا السياق تنظر إيران إلى الجانب الإيجابي بالنسبة لها من تصريحات ترامب حول عدوها الحقيقي بالمنطقة المتمثل بدول الخليج ، ولا سيما المملكة العربية السعودية ، حيث استخدم ترامب لغة جديدة في خطابه ضد هذه الدول ، خاصة فيما يتعلق بالنفط والأمور الاقتصادية ، في وقت وصلت فيه العلاقات بين البلدين إلى الحضيض على خلفية قانون جاستا.

وصول ترامب إلى الحكم وتصريحاته التي قد تكون خلبية ضد إيران كان له ردة فعل طبيعية بتصريحات رسمية من طهران للرد على ترامب ، كتصريح رئيس هيئة الأركان في حكومة طهران اللواء حسين باقري حين قال "إن ترامب يتلفظ بكلمات أكبر منه" ورغم هذا تبقى الحقيقة الكامنة  تقول إن كل الذي يجري من وصول ترامب والتغيير المتوقع بسياسية واشنطن سيكون أوراقاً رابحةً لدى إيران وبيادقها وسيمنحها مزيداً من الامتيازات أكثر من كل أساطيرها الدينية .. لذلك لا عجب أن نرى في وقت ما أحد نزلاء كربلاء وقمْ يصيح لبيك يا ترامب ! .. أو أن يقول أحد المعممين لأتباعه أن ترامب الذي أمامكم هو المهدي المنتظر !!