الجمعة 2016/11/18

ترامب إلى البيت الأبيض ونحن إلى السيرك

دائما العرب و ما جاورهم من أمم مُستعْمَرة ومُسْتلبة لصالح الغرب يشعرون بالدهشة نفسها من الحدث المتكرر نفسه، وكأنهم يعيشون في استديو تمثيل، والمخرج يطلب إعادة اللقطة عدة مرات، ويطلب من الكومبارس إبداء الانطباعات نفسها. 

 أجواء الانتخابات الأمريكية صارت شبيهة بمونديال كأس العالم، أو عيد الفسيخ عند المصريين، أو طقس القرقيعان في الخليج العربي؛ فالوحدة الزمانية والأزياء و الضيوف الافتراضيون والاهتمام الإعلامي نفسه، والأهم من ذلك المقولات والرؤية التحليلية؛ سواء كانت توقعات مبنية على تحليل جيوسياسي أو على مفسري الأحلام والمشعوذين، وفي النهاية اجتمع الناس على رأي واحد ستفوز كلينتون ويخسر ترامب. 

 هذا التحليل كان مبنيا على أسس علمية عميقة، وتأسس على فهم طبيعة الحركة السياسية لبنية الولايات المتحدة، كما زعم المحللون؛ فحضور ترامب في الانتخابات جاء في سياق تآمر إمبريالي في مرحلة ما بعد الكونيالية الأمريكية؛ التي توحشت استعمارياً، وهي تمثل على الشعوب دور الديمقراطية، ولكنها في الحقيقة تمارس بطش الشركات العابرة للقارات، التي تُشكِّل الدولة العميقة، وتُشكِّل  معها هذه الديمقراطية الافتراضية، لذلك دفعت  بشخص مثل ترامب، يقفز داخل السرك، وينفذ شقلبات مسلية أكثر من كونها استجراراً لأصوات انتخابية.

 في الجانب المقابل، تطل علينا هيلاري كلنتون، السياسية المخضرمة، المرأة الرصينة الهادئة المحافظة اجتماعياً، والتي نشرت عرض زوجها بيل كلنتون حينما حاول التحرش بمونيكا لوينسكي، فيقف المتابع أمام هاتين الشخصيتين، ترامب الكابو بوي، وهيلاري ارستقراطية القرن التاسع عشر؛ وجه أمريكا الديمقراطي الناعم اللطيف .. من المؤكد .. سيصدق تحليل من يقول : إن الفائز بلا ريب هيلاري كلنتون وهذه لعبة خبيثة من الإمبريالية المتوحشة العميقة التي وضعت ثورا أمام الغزالة .. ولكن النتيجة .. دعس الثور على الغزالة، واكتفى المحللون السياسيون بالعض على شفتهم السفلى .. أوووه يا للأسف ماذا جرى لأمريكا هذا غير منطقي. 

يبدو للوهلة الأولى هذا الأسى منطقيا، ولكن إذا رحلنا إلى ثماني سنوات خلت، لنحضر المناسبة نفسها؛ انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكانت المقارنة بين  جون ماكين، الذي ينحدر من سلاسة صقور أمريكية، فقد شارك في حرب فيتنام وأصيب وأسر وصنعت هوليود فيلما عنه، وكان ذا شعبية منقطعة النظير، أضف إلى ذلك انتماءه العائلي؛ فقد  كان أبوه ضابطا كبيرا، و جدّه أيضا، وكان في المقابل باراك حسين  أوباما  الأفريقي  ذو الأصول الأفريقية المسلمة، ثم تحول إلى النصرانية، الرجل الذي  لا يمتلك سوى موهبة خطابية، وطموحا داخل حزبه، فكانت المقارنة  بلا ريب  لصالح جون ماكين، ولا سيما في جلسات التحليل السياسي على الفضائيات والصحف؛ فماكين يمثِّل وجه أمريكا الأوروبي الاستعماري الأبيض، والدولة العميقة، تريد ماكين؛ فجاءت بهذا الأسود المغمور ليفوز عليه ماكين بسهولة، ولكن النتيجة فاز أوباما، وفوجئ أيضا المحللون، وتدلت الشفاه نفسها.  وكرر المحللون أيضا عبارة: أوووه يا للأسف ماذا جرى في أمريكا هذا غير منطقي؟!  العرب و ما جاورهم من أمم مُستعْمَرة ومُسْتلبة لصالح الغرب لا يعرفون ماذا يجري عندهم، ولا يعرفون ماذا يجري في أمريكا؛ ويجازفون دائما بادعاء بفهم الظاهرة الأمريكية، ولكنهم دائما لا يقرؤون التاريخ ولا يستنتجون شيئاً. ربما أصبح علينا تعديل مقولة من لا يقرأ التاريخ يعشْه مرة أخرى، إلى مقولة: من لا يقرأ التاريخ يركله على قفاه ثم يبصق في وجهه ويقول له اصبر. 

 

 

 

 دائما العرب و ما جاورهم من أمم مُستعْمَرة ومُسْتلبة لصالح الغرب يشعرون بالدهشة نفسها من الحدث المتكرر نفسه، وكأنهم يعيشون في استديو تمثيل، والمخرج يطلب إعادة اللقطة عدة مرات، ويطلب من الكومبارس إبداء الانطباعات نفسها.

 أجواء الانتخابات الأمريكية صارت شبيهة بمونديال كأس العالم، أو عيد الفسيخ عند المصريين، أو طقس القرقيعان في الخليج العربي؛ فالوحدة الزمانية والأزياء و الضيوف الافتراضيون والاهتمام الإعلامي نفسه، والأهم من ذلك المقولات والرؤية التحليلية؛ سواء كانت توقعات مبنية على تحليل جيوسياسي أو على مفسري الأحلام والمشعوذين، وفي النهاية اجتمع الناس على رأي واحد ستفوز كلينتون ويخسر ترامب.

 

 هذا التحليل كان مبنيا على أسس علمية عميقة، وتأسس على فهم طبيعة الحركة السياسية لبنية الولايات المتحدة، كما زعم المحللون؛ فحضور ترامب في الانتخابات جاء في سياق تآمر إمبريالي في مرحلة ما بعد الكونيالية الأمريكية؛ التي توحشت استعمارياً، وهي تمثل على الشعوب دور الديمقراطية، ولكنها في الحقيقة تمارس بطش الشركات العابرة للقارات، التي تُشكِّل الدولة العميقة، وتُشكِّل  معها هذه الديمقراطية الافتراضية، لذلك دفعت  بشخص مثل ترامب، يقفز داخل السرك، وينفذ شقلبات مسلية أكثر من كونها استجراراً لأصوات انتخابية.

 في الجانب المقابل، تطل علينا هيلاري كلنتون، السياسية المخضرمة، المرأة الرصينة الهادئة المحافظة اجتماعياً، والتي نشرت عرض زوجها بيل كلنتون حينما حاول التحرش بمونيكا لوينسكي، فيقف المتابع أمام هاتين الشخصيتين، ترامب الكابو بوي، وهيلاري ارستقراطية القرن التاسع عشر؛ وجه أمريكا الديمقراطي الناعم اللطيف .. من المؤكد .. سيصدق تحليل من يقول : إن الفائز بلا ريب هيلاري كلنتون وهذه لعبة خبيثة من الإمبريالية المتوحشة العميقة التي وضعت ثورا أمام الغزالة .. ولكن النتيجة .. دعس الثور على الغزالة، واكتفى المحللون السياسيون بالعض على شفتهم السفلى .. أوووه يا للأسف ماذا جرى لأمريكا هذا غير منطقي.

يبدو للوهلة الأولى  هذا الأسى منطقيا، ولكن إذا رحلنا إلى ثماني سنوات خلت، لنحضر المناسبة نفسها؛ انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكانت المقارنة بين  جون ماكين، الذي ينحدر من سلاسة صقور أمريكية، فقد شارك في حرب فيتنام وأصيب وأسر وصنعت هوليود فيلما عنه، وكان ذا شعبية منقطعة النظير، أضف إلى ذلك انتماءه العائلي؛ فقد  كان أبوه ضابطا كبيرا، و جدّه أيضا، وكان في المقابل باراك حسين  أوباما  الأفريقي  ذو الأصول الأفريقية المسلمة، ثم تحول إلى النصرانية، الرجل الذي  لا يمتلك سوى موهبة خطابية، وطموحا داخل حزبه، فكانت المقارنة  بلا ريب  لصالح جون ماكين، ولا سيما في جلسات التحليل السياسي على الفضائيات والصحف؛ فماكين يمثِّل وجه أمريكا الأوروبي الاستعماري الأبيض، والدولة العميقة، تريد ماكين؛ فجاءت بهذا الأسود المغمور ليفوز عليه ماكين بسهولة، ولكن النتيجة فاز أوباما، وفوجئ أيضا المحللون، وتدلت الشفاه نفسها.  وكرر المحللون أيضا عبارة: أوووه يا للأسف ماذا جرى في أمريكا هذا غير منطقي؟!

 العرب و ما جاورهم من أمم مُستعْمَرة ومُسْتلبة لصالح الغرب لا يعرفون ماذا يجري عندهم، ولا يعرفون ماذا يجري في أمريكا؛ ويجازفون دائما بادعاء بفهم الظاهرة الأمريكية، ولكنهم دائما لا يقرؤون التاريخ ولا يستنتجون شيئاً.

ربما أصبح علينا تعديل مقولة من لا يقرأ التاريخ يعشْه مرة أخرى، إلى مقولة: من لا يقرأ التاريخ يركله على قفاه ثم يبصق في وجهه ويقول له اصبر.