الخميس 2016/11/10

ترامب .. أمريكا الوجه والقفا

لا يكاد السياسيون في أمريكا والعالم يتلفّظون بهذا الاسم حتى يشعروا بمرارة لم يجدوا لها مثيلا من قبل، وبخيبة أمل تكاد تصيبهم بالجنون؛ فعدوّ نفسه أصبح رئيساً لأكبر بلد بالعالم ولمَ لا ؟!  طالما أنّ أكبر جزّار على مرّ التاريخ قد استطاع البقاء في الحكم 6 سنين على الرغم من قتل نصف مليون وتهجير عشرة أضعافهم وحرق بلد بأهله، ورحم الله القائل :

ما كلّ ما يتمنّاه الشعبُ يدركه    تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ

الحق أنّه مع مرور 16 عاماً لم يستفقِ الشعب العربي من صدمة حتى تلتها أخرى أدهى وأمرّ، بدءاً من حرب العراق ومروراً بغزة وانتهاء بسوريا، على مرّ هذه السنين يُمنَى المسلمون بفدائح ومصائب لا تقل سوءاً عن مصيبة العالم اليوم.

فوز ترامب بالانتخابات كان القشة التي قصمت ظهر البعير، فالأمريكيون أنفسهم لم يصدقوا ما حدث، حيث قبل يوم واحد فقط أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن المرشح دونالد ترامب "غير لائق من الناحية المزاجية ليكون القائد الأعلى، كما أنه بعيد عن معظم الأمريكيين"، وما إن أعلنت النتائج حتى بدأ يداري صدمته ويطلب من مثيله انتقالاً سلساً للسلطة وتسلم مقاليد الحكم بهدوء.

خوف أوباما لم يقتصر على خسارة حزبه الكبيرة، بل تعدّاه إلى مرشحته كلينتون التي تواجه خطر الملاحقة القانونية في قضية استعمال بريدها الشخصي في مراسلات رسمية أثناء توليها حقيبة وزارة الخارجية.

وبالنسبة لترامب ذاك المرشح الذي لا يعرف الناس كيف يصفونه ، هل ينعتونه بالغني صاحب سلسلة الفنادق والملاهي الشهيرة؟ ، أم بزير النساء المولع بتنظيم حفلات ملكات الجمال؟! ، أم بالمعتوه المتابع لرياضة المصارعة الحرة ؟! بالنسبة له الأمور في العالم ستأخذ منحىً آخر لا يتوقعّه أحد.

فترامب من مناصري الرئيس الروسي بوتين ومن محبيه، إن لم يكن من مشجعيه على اعتبار أنّ بوتين رياضيّ مخضرم، كما يتفق الرجلان حول تقييم الأوضاع في سوريا وبقاء بشار الأسد.

أما ما يخصّ المهاجرين واللاجئين فحملة ترامب الانتخابية اعتمدت بشكل اساسي على التحذير من الأجانب والمسلمين، الذين يثيرون غضب الرئيس المنتخب بمنظرهم البائس وثيابهم الرثة،  لأنه لم يعتد إلا على الرفاهية ورؤية الأثرياء في حفلات ملاهي لاس فيغاس وأمثالها .

فوز ترامب يجعلنا ندرك حقيقة أن هذا العالم لا تسود فيه العدالة والديمقراطية، بل يحكمه رأسماليون يتلذّذون بفقر الآخرين وتعذيبهم وتسخيرهم كعمال أذلاء ، والمستغرب هنا أن يبيع الناس أنفسهم في أرقى دولة بالعالم من أجل حفنة من المال، ويبيعون أصواتهم لمن يدفع أكثر.

السياسة الدولية ماضية، ولن تتغيّر لأجل رجل لا يهمه شيء غير ثروته وبرامجه التلفزيونية، التي يسعى من خلالها إلى إبراز شخصيته المثيرة للجدل، والمحبة لكل ما هو شاذّ في المجتمع، فيما ترقد نظيرته كلينتون في بيتها تلطم حظّها العاثر وتتساءل: لمَ فعل بها شعبها هكذا؟

أليست هي من قامت بإطالة عمر الثورة السورية، في محاولة منها لإفشالها وبيع أكبر قدر من السلاح ؟! ألم تسعَ جاهدة لمنع الإطاحة بالأسد؟!

لكن اتّضح لها أنّ شعبها يعطي ولاءه لمن يدفع أكثر، لا لمن يتشدّق بالشعارات التي تصفه بالحرّ الأبيّ المناهض للظلم والطغيان، وعلى الشعب العربي إدراك هذه القضية والتعامل معها بحزم ولو مرة واحدة في حياته.

فأمريكا منذ حرب العراق سعت للقضاء على كل ثورة عربية، أو مخطط يعيد للعرب بعضاً من حقوقهم المغتصبة، ولاسيما في فلسطين، كما أنها تسعى دائماً لاختراع الحروب والأعداء حتى إذا ما تلاشى العدو بقيت الحرب قائمة بمصائبها وكوارثها، إن لم يكن على أرض الواقع ففي النفوس والقلوب.