السبت 2016/11/19

بين “قيامة” حلب ولقاءات بروكسل “المشبوهة” .. الطبل بحرستا والعرس بدوما !

لا يزال اللقاء الذي جمع رئيس الائتلاف المعارض أنس العبدة مساء الجمعة  بمسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، في بروكسل موضعَ تساؤلات كبيرة.

توقيت اللقاء.. وشخصياته، والموضوعات التي دارت فيه، تجعل المتابِع للحال التي وصلت إليها أطرافٌ محسوبة على المعارضة السورية، يضع خطوطاً وعلاماتِ استفهام، وشكوكاً ليست بالبريئة.

1- توقيت اللقاء :

يأتي "لقاء بروكسل" في توقيت حسَمت فيه روسيا أمرها على قتل آمال الحل السياسي في سوريا، مستغلة حالة الانتقال السياسي في الولايات المتحدة، ودخول إدارة أوباما في وضعية "البطة العرجاء"، وانشغال العالم بوصول دونالد ترامب إلى سُدَّة الرئاسة.

وبعد أن ضمنت روسيا أرضية دولية مناسبة لها، بدأت هجومها على الأحياء الشرقية المحاصرة في حلب، في الخامس عشر من الشهر الجاري، مخلفة حتى لحظة كتابة هذه السطور ..أكثر من مئتين وخمسين شهيداً، في المدينة وريفها الغربي، أكثرُهم من النساء والأطفال.

سكان الأحياء المحاصرة يؤكدون أن ما يجري عندهم أشبهُ بمناظر يوم القيامة ... مئات الصواريخ الفراغية والعنقودية والارتجاجية وأشلاء ودماء، واستهداف مبرمج وممنهج للمشافي والمراكز الصحية أخرجها جميعها من الخدمة كي تتم معالم الجريمة على الوجه المطلوب.

كل هذا كان كافياً ليدفع الأطراف التي قابلت موغريني بأن يكونوا غضبى على أقل تقدير، إن لم نقل أن الواجب في مثل هذه الحالة هو إعلان إضراب "دبلوماسي"، يرفع وتيرة الاحتجاج على ما يجري في حلب ... كل هذا لم يحصل، إذ ظهر رئيس الائتلاف "أنس العبدة" على طاولة اللقاء مبتسمَ المُحيّـا، تُبادله موغريني الابتساماتِ نفسَها !

2- شخصيات اللقاء:

تحدَّث الائتلاف المعارض عن أن لقاء "العبدة- موغريني" ضم ممثلين عن "الهيئة العليا للمفاوضات"، و"هيئة التنسيق الوطنية" دون أن يصرح بأسمائهم ، رغمَ ظهورهم في صور اللقاء.

أما ممثل "الهيئة العليا للمفاوضات" فهو "يحيى قضماني" نائب رئيس الهيئة العليا ، وأما ممثل "هيئة التنسيق" فهو رئيس الهيئة "حسن عبد العظيم".

فلنتوقف قليلاً عند الاسم الأخير، ولنرفع صوتنا بالسؤال .. ما الذي يفعله عبد العظيم في بروكسل؟ وما الذي وضعه إلى جانب العبدة وقضماني؟ ولماذا كان هذا التجاهل المقصود لوجوده في اللقاء؟ هل كان ثمة شيء مخفيٌّ لم يُرِدِ المجتمعون إظهاره ؟ هل وجود "عبد العظيم" مفروض على اللقاء أم لا ؟ وإذا كان حضر اللقاء "من فوق الأساطيح" فمن الذي فرض وجوده ؟

كل هذه الأسئلة " البريئة " تطرح نفسها بقوة، أمام وجود عبد العظيم الذي يُعد وجهاً من أوجه "التشبيح" التي تلبس قناع "المعارضة الداخلية الوطنية"، حسن عبد العظيم الذي يأخذ الإعلام الموالي للأسد تصريحاته، ويهتم بها، ويناقشها، أكثر من اهتمامه بتصريحات الموالين أنفسِهم.

يزداد المراقب عجباً وحيرة من أمره حين يقرأ التصريح الذي أخذته "قناة الميادين" الموالية عن "عبد العظيم" قبل يومين فقط من لقاء بروكسل ، ويتضمن تصريح "عبد العظيم" قوله: ( إن عشر قوى سياسية سورية تعتزم عقد مؤتمر في دمشق أو القاهرة قبل نهاية العام الحالي يهدف إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية استناداً إلى قرار جنيف) ، وذكر "عبد العظيم" أن "إعلان دمشق" وافق على حضور هذا المؤتمر، وهذا ما دفع "إعلان دمشق" إلى تكذيب هذه التصريحات، ونفي موافقته على حضور "هكذا مؤتمر" نفياً قاطعاً.

فهل وجود "عبد العظيم" له علاقة بمضمون هذه التصريحات التي أطلقها على قناة "موالية" للأسد ؟؟

3- مواضيع اللقاء:

في الحقيقة لا تبدو المواضيع التي طُرِحت في لقاء بروكسل أقلَّ عجائبية من توقيته وشخصياته، فما عدا إدانات "العبدة" واستنكاراته ، بدت مواضيع اللقاء " العلنية طبعاً " ، أبعدَ ما تكون عن الواقعية والعقلانية.

إذ إن العبدة وقضماني [عبد العظيم لم يصرح بشيء طبعاً حتى اللحظة] ، أظهرا أن الدور الأوربي اليوم بات صاحب الصدارة فيما يخص الملف السوري، بحجة أن الولايات المتحدة لا تبدو في هذه الفترة مؤهلةً للاضطلاع بهذا الدور !!

لا نعرف حقيقة مدى "السذاجة" التي دفعت الرجُلين إلى أن يضعا أوربا في موضع ، أجزم أن قادتها لا يرَوْنها فيه، ألم يدركا بعدُ أن الطبخة روسيةٌ أميركية ؟؟ أم إنها مجرد "تمسيح جوخ" لأوربا وتصريحات هوائية جوفاء ؟؟؟

هل ينتظران من أروبا أن تحشد جيوشها وأساطيلها تحت تصرف "موغريني" أمام روسيا ؟ أم هل يعتقدان أن حاملة الطائرة الروسية "كوزنتسوف" جاءت لتوسعة آفاق "الحل السياسي" في سوريا ؟؟

وفوق هذه "السذاجة السياسية" .. جاء في بيان صادر عن مكتب العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، أن لقاء بروكسل ناقش ( المستقبل السياسي والمؤسساتي الممكن لسوريا، في مرحلة ما بعد الصراع والمصالحة ، وإعادة الإعمار، بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة والمبعوث الأممي الخاص لسوريا، ستيفان دي ميستورا ) ! .

وقال يحيى قضماني : "لقد رحَّبنا بجهود الممثل الأعلى موغيريني بخصوص حوار إقليمي لمناقشة إعادة إعمار سوريا ما بعد النزاع "

بربكم ثم بربكم .. هل هذه المواضيع التي جاءت في البيان تناسب هذه المرحلة ؟ لا أدري عن أي إعمار تحدثوا وقد أخرجت صواريخ بشار الأسد وبوتين جميع مشافي حلب المحاصرة عن الخدمة! لا أدري عن أي مؤسسات تحدثوا في وقت صار فيه مؤسسات الدفاع المدني في أحياء حلب هدفاً مفضلاً للصواريخ العنقودية والارتجاجية ! لا يمكن أن أفهم أو يفهم أيُّ عاقلٍ، الحديث عن "مصالحة وطنية" أمام نظام جلب كل مرتزقة الآفاق الطائفيين من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان، ليحاربوا ويقتلوا شعبه! إلا إذا كانت المصالحة المقصودة هي المؤتمر الذي دعا إليه "حسن عبد العظيم" ، إذ سيكون الكلام مختلفاً في مثل هذه الحالة ، وسيزول العجب نوعاً ما.

هذا اللقاء البروكسلي شديد الودية ، الذي جرى وقد قامت قيامة المحاصَرين في أحياء حلب الشرقية ، لا يمكن إلا أن يذكِّرَني بمثل شاميٍّ قديم يشير إلى حالة "الفصام" التي أصابت "بعض" أطراف المعارضة السورية .. الطبل بحرستا ، والعرس بدوما.