الأحد 2019/01/20

بعد إسرائيل.. كيف باتت إيران شماعة جديدة للقمع العربي؟

لا ريب أن الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً جداً بعد اختيار أرضهم مكاناً لتحقيق حلم "الدولة اليهودية"، غير أن هذه المأساة لم تخصَّهم وحدهم فيما بعد، بل توسّعت دائرتها منذ أن قرر بعض الحكام العرب المتاجرة بـ"القضية المركزية"، واتخاذها شمّاعة لتعليق فشلهم في الحُكم والتعليم والاقتصاد، وذريعة سائغة لقمع شعوبهم تحت عنوان "الصراع العربي الإسرائيلي".

قد يكون السوريون أكثرَ من ذاقوا مرارة هذا الصراع بحربه وسِلمه، ولا سيما بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عبر انقلاب عام 1970. اتخذ الأسد "القضية الفلسطينية" في البداية غطاء لشرعنة انقلابه أمام الرأي العام السوري والعربي، ثم لم يلبث هذا الشعار أن أصبح عنواناً رافق عقوداً من القمع والاستبداد والتنكيل بالسوريين، وقد لا يكون من باب الصدفة أن أقذر الفروع الأمنية لنظام الأسد حمل اسم "فرع فلسطين"!.

باتت "إسرائيل" فزاعة بيد نظام الأسد. باسم "الصراع معها" يستفرد بالسلطة ويتخذ سوريا مزرعة خاصة ويُذيق السوريين مرارات العيش، وبتهمة "التعامل معها" يقمع السوريين ويقتلهم. ربما ينطبق ما فعله نظام الأسد بالسوريين تحت ذريعة "الصراع العربي الإسرائيلي" على دول عربية أخرى تاجر حكامها بهذا الصراع، وجعلوه مبرراً للقمع وللبقاء على الكرسي عقوداً.

هذه "الكذبة الكبيرة" لن تدوم إلى الأبد بالتأكيد، إذ كشفتها موجة "الربيع العربي"، التي اتضح بعدها أن "إسرائيل" كانت أكثر الأطراف حرصاً على بقاء نظام الأسد مثلاً، ولا رسالة أكثر وضوحاً من التي وجهها "رامي مخلوف" ابن خالة بشار الأسد حين قال مع انطلاق الثورة السورية: "أمن إسرائيل من أمن سوريا"!. مع زوال هذه "الخديعة" كان لا بد من عنوان جديد يرزح تحته السوريون والعرب في دوامات القمع والصراعات اللامتناهية.

منذ العام 2011 سمَح الغرب والعرب لإيران بالتمدد في سوريا، وأمام أنظار الجميع استطاعت طهران إرسال آلاف المقاتلين والمرتزقة لمحاربة السوريين، وإنشاء قواعد عسكرية ومذهبية واقتصادية، وينطبق الأمر نفسه على اليمن، هذا عدا وجودها فعلياً في مفاصل صنع القرار العراقي واللبناني. وبعد أعوام من مشاريع إفشال "الربيع العربي" بات الحديث عن الأسباب التي اندلعت لأجلها الثورات في سوريا ومصر واليمن وليبيا نَسياً منسياً، وتوجّهت البوصلة العربية -بتوجيه أميركي طبعاً- إلى "إسرائيل ثانية" يجب مواجهتها بكل الوسائل المُتاحة.

في سوريا سكت الجميع فجأة عن جرائم الحرب التي ارتكبها بشار الأسد، ولم يعُد المطلب الرئيسي تنحّيه "بالسلم أو بالقوة"، وصارت محاسبته على مقتل نصف مليون سوري ضرباً من الذكريات. المهم الآن : كيف نقلّم أظافر إيران في سوريا؟. يشبه الأمر تماماً أن تسمح لأحد ما أن يدخل إلى بيتك، ثم تغض الطرف عن قيامه باحتلال إحدى الغرف، وتصمت عن استجلابه أصدقاءه للمكوث معه في البيت، ولا تنزعج كثيراً من استفزازاته، وبعد ثماني سنوات تبدأ التخطيط لإخراجه من البيت!.

المهم في الأمر أن المحور السعودي الإماراتي وضع منذ مدة قصيرة خطة جهنمية لمجابهة النفوذ الإيراني في سوريا. وتقوم الخطة على إعادة العلاقات مع نظام الأسد تدريجياً، والاعتراف ببقائه في الحكم، مقابل أن يسحب يده من المحور الإيراني ويعود إلى "الحضن العربي". تبدو الخطة بحد ذاتها مثيرة للسخرية والاستهجان، إذ كيف يمكن لبشار الأسد أن ينفض يده ممن ساهم في إنقاذه من السقوط، ويثق بأطراف لا يزال يعتبرها معادية له ولنظامه؟

النتيجة أن أصحاب الخطة الجهنمية سيعطون الأسد شرعية البقاء، بل يُتَوقع كذلك أن يفتحوا مخازن أموالهم ليساعدوه على "إعادة الإعمار"، ومن نافلة القول أن هذه الأموال ستعود بالضرورة إلى النظام الإيراني "الذي يدّعون محاربته"!.. نعم هذا ما سيحصل، لأن "مجابهة إيران" لدى هؤلاء ليست سوى شمّاعة جديدة لمواصلة مسيرة القمع العربية، وذريعة سخيفة لتبرير بقاء بشار الأسد، الذي سيضمن بالتأكيد بقاءهم بعد نجاته من سجل جرائمه الفظيع.