الأثنين 2019/04/22

بشار- سيسي- حفتر.. ما أسهل الجمع بين التضاد لدى “محور الرز”!

ما أسهل الجمع بين التضاد في السياسة، وما أصعب تفسيره عندما يتعلق الأمر بمحاولة فهم طبيعة سياسة الدول العربية، وخاصة "محور الرز" في التعامل الخارجي مع ما يرونه عدواً أو منافساً أو حليفاً أو صديقاً، ومع الأزمات السياسية والثورات والانقلابات، والحروب، والكوارث الإنسانية، ومصطلح "دول الرز" انتشر مع موجة الثورات المضادة التي دعمتها السعودية والإمارات، بعد مكالمة مسربة للسيسي يتحدث فيها عن الدعم الخليجي قائلاً: "عندهم فلوس زي الرز".

خلال أحداث العقد الأخير التي شهدت انطلاق ثورات الربيع العربي، لم تخفَ آثار التخبط على دول "محور الرز" في محاولتها للثبات على رؤية واضحة إزاء تلك الأحداث، ولاتخاذ موقف يحفظ مصالحها الآنيّة والمستقبلية، ويراعي أمرين مهمين جدا ومتعاكسين، أولها؛ أن لا بقعة في الوطن العربي مستثناة من شرارة الثورة التي انطلقت من تونس، لطالما وُجدت الأسباب، لذا من الضروري العمل على إيقافها، أما الثانية؛ فهم يدركونها لكن يتجاهلونها، وهي البعد الطائفي لتدخل إيران -التي يدّعون عداءها- في المنطقة، بما في ذلك دعمُها المفتوح لنظام الأسد بالمال، والمليشيات، يعني هذا بالمنطق أن يساهم محور الرز "السني"، في إسقاط الأنظمة التابعة لمحور إيران الطائفي، أو على الأقل لا يدعمها .. وهنا نواة المشكلة!.

ثارت الشعوب العربية على خمسة أنظمة؛ كل زعيم منها يرفع شعارات مختلفة عن الآخر، ويعتمد على ظهير دولي مختلف، في سوريا يدّعي آل الأسد أنهم مقاومون لإسرائيل، وللمشروع الأمريكي الغربي، ويرتمون علنا في مشروع إيران الطائفي، فيما يعد رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، من أكثر الزعماء العرب تقربا من إسرائيل وأمريكا، أما حفتر الخارج من تحت أنقاض الدولة العميقة ونظام القذافي المخلوع، فيبدو أن شعاراته لم تتبلور بشكل واضح حتى الآن، ولا سيما أنه يتلقى الدعم من أطراف دولية متعددة، لكن الثابت أنه ليس إلا ذيلاً وأجيراً انقلابياً قاتلاً لا يختلف عن الأسد والسيسي.

في الدول الثلاث آنفة الذكر ظهرت الآثار السلبية لـ"محور الرز" بشكل متناقض يستحيل فهمه أو قياسه في ميزان المنطق، عيوب سياسة لتلك الدول بدت في الذرائع التي اختلقتها مثلا للانقلاب على الشرعية المنتخبة في مصر، فتحت ستار مزاعم القلق من سياسية الإخوان المسلمين ودعاوى تقربهم من إيران دعم محور الرز - بلا تردد - الانقلاب الدموي الذي قضى على حلم المصريين بالعيش كالبشر، وصاغ مفهوما جديدا من الخوف والعبودية للحاكم يتجاوز بدرجات عهد المخلوع مبارك، وعاد في مصر عقودا إلى الوراء في مجالات الاقتصاد والأمن.

في سوريا لم يواجه الأسد المرتمي في حضن الإيرانيين سرا وعلنا، العقاب نفسه الذي طال مرسي المتهم بالتقارب من إيران، كان لـ زعماء "محور الرز" منظور آخر في التعامل مع بشار الأسد، فبعد 8 سنوات من حربه على السوريين وقلته مليونا ونصف المليون، اكتشف "محور الرز" طريقة لم يسبق أن عرفتها أبجديات السياسة، وهي إغراقه بالدعم المالي وإنقاذه من مآزق إعادة الإعمار، وتقديم وعود وإغراءات بإعادة تعويمه عربيا ودوليا، وفي مقابل ذلك يأمل المحور بخروجه من الحضن الإيراني للحضن العربي، على الرغم من أن أقل المبتدئين في السياسية يعلم أن بشار الأسد لا يمكنه التنقل من غرفة لأخرى في منزله دون علم إيران فكيف به يخرج من حضنها !؟.

في ليبيا تخوض دول الرز اليوم في الخطأ نفسه بدعم حفتر بالانقضاض على العاصمة طرابلس، معقل الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، ويدرك زعماء المحور، خسارة رهانهم في نهاية المطاف على دعم حفتر الذي لن يكون بعد أن يشتد عوده أفضل من السيسي الذي لم يُسدِ لداعميه الموقف الذي ينتظرونه في حرب اليمن أو عداء إيران، لا بل شهدت العلاقات في عهده بين طهران والقاهرة تطورا ملحوظا مقارنة بالعقود الثلاثة الأخيرة.

أمام الحالة المستعصية من الحماقة السياسية لزعماء دول الرز في أكثر القضايا العربية حساسية، لا يمكن تفسير آلية عمل ماكينة المستشارين ورجال السياسة في تلك الدول، إلا إذا أدركنا زيف بعض القناعات حول طبيعة دول محور الرز واستقلاليتها وتحالفاتها أو وحتى عدائها المزعوم مع إيران، فمن نتيجة التدخلات المشبوهة لمحور الرز في جميع الدول العربية، يظهر جليا أن عداءها الحقيقي ليس لإيران ولا لذيولها بالمنطقة، وإنما قلقها هو امتداد لقلق دولي من وجود شعوب عربية تطالب بحقوقها في الحرية والعدالة، وتلعن الظلم والمستبدين، مهما اختلفت رتبهم، وتوجهاتهم، وجنسياتهم.