الأحد 2016/07/10

بريطانيا خارج السرب الأوربي وهزات ارتدادية بانتظار الاتحاد

اثنان وخمسون بالمئة من الناخبين هم مع الخروج من الاتحاد الأوربي إلا أن هذا لا يعني خروج بريطانيا الفوري إنما سيترتب عليه بدء عملية تفاوضية طويلة مع الاتحاد لتنفيذ الانفصال.

تقلبات وهزات خطيرة ترافقت مع قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ولا سيما ما عكسه الشارع البريطاني الذي انقسم بين مؤيد للخروج ومعارض له إلا أن للسياسة ترتيبها وخفاياها التي لا تتوائم مع العواطف والآمال فالقارة العجوز ربما حان وقت تمخضها عن ما من شأنه تقليص أركان وحدتها التي حافظت عليها على مر السنين.

وعلى الرغم من هذه السرعة في حسم قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي إلا أن المتوقع أن يستغرق هذا الخروج بشكل كامل من عامين إلى عشرة أعوام حيث تستمر بريطانيا خلال تلك الفترة في تطبيق أنظمة الاتحاد الأوربي.

هواجس انتابت المواقف الأوربية جعلت القرار البريطاني رهين إرادة شعبية محضة فمن الناحية القانونية فأن نتيجة الاستفتاء غير ملزمة لحكومة لندن إلا أنه من المتوقع ألا تتجاهل الحكومة قرار شعبها والبدء في أسرع وقت ممكن بتنفيذ إجراءات الخروج.

قرارٌ دفع برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى الاستقالة بعد أن اختار البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوربي رغم تحذيراته من العواقب الاقتصادية الوخيمة لمثل هذه الخطوة.

ردود أفعال سياسية واقتصادية سرعان ما توالت بعد قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوربي في استفتاء تاريخي حيث أكد رئيس المجلس الأوربي دونالد توسك أن الاتحاد الأوربي مصمم على الحفاظ على وحدة أعضائه السبعة والعشرين بعد قرار بريطانيا التاريخي القاضي بالخروج من الاتحاد الأوربي.

مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوربي أكد أن المجلس سيركز على تقييم نتائج تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوربي حيث سيتعين على الدول الأعضاء في الاتحاد مناقشة كيفية تطوره مشيراً إلى أن الدول التسعة عشرة الأعضاء في منطقة اليورو على وجه الخصوص تحتاج لمناقشة سبل حماية نفسها في الأشهر المقبلة التي ستشهد فترات مضطربة على الأرجح.

يوم حزين سيعقبه اضطرابات من المحتمل أن تعود بهزات ارتدادية على الاتحاد الأوربي ولا سيما قضية الهجرة التي أثقلت كاهل الأوربيين وهذا ما أشار إليه رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان داعياً بروكسل أن تستمع لصوت الشعوب وتقدم حلولاً ملائمة للقضايا المهمة ولا سيما قضية الهجرة.

دعوات عديدة تدعو الاتحاد الأوربي إلى أن يتغير بسرعة ليس لأن بريطانيا خرجت منه ولكن لأن المشروع الأوربي يحتاج إلى دعم أكبر بكثير من مواطنيه فخروج بريطانيا قد يتسبب بردات فعل عديدة لذا يتعين على أوربا أن تكون أكثر استعداداً للعمل وأن تتحلى بالمرونة وتكون أقل بيروقراطية وأن تبدي حساسية أكبر بكثير للتنوع الذي تمثله الدول الأعضاء السبع والعشرون.

أولى الردود جاءت من اليونان حيث رأى متابعون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي سينعكس سلباً على الاقتصاد اليوناني كما سيحدث تغيرات في العلاقات البريطانية ويعيد النقاش بشأن مكانة أثينا داخل الفضاء الأوربي.

انعكاسات ليست على الصعيد السياسي فحسب بل سيترتب على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي عواقب اقتصادية تحدث عنها أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة أثينا عبد اللطيف درويش مؤكداً أن اليونان ستتعامل مع الاستثمارات البريطانية لديها وفقاً لقوانين وقواعد جديدة مختلفة إذ ستفرض عليها ضرائب أعلى إضافة إلى قيود أخرى مثل التأشيرة ونحوها.

أعباءٌ عديدة قد تتمخض عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ولاسيما انسحابها من مهام حراسة السواحل اليونانية في مواجهة المهاجرين واللاجئين الأمر الذي سيزيد الأعباء على الاقتصاد اليوناني كما أن العلاقات اليونانية البريطانية ستتوقف على مدى حدة المفاوضات بشأن العلاقات الجديدة بين الاتحاد ولندن.

تساؤلات عديدة بدأت تطرح نفسها بين الأوربيين الذين تفاجؤوا بقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأمر الذي ينذر بمخاوف قد تضعضع أركان الاتحاد الأوربي وهذا ما دفع بوزير الخارجية الأميركي جون كيري للتوجه إلى بروكسل ليؤكد أهمية ألا يقدم أعضاء آخرون في الاتحاد على خطوة مماثلة مما سيضعف الاتحاد بشكل أكبر حيث إن العواقب الاقتصادية والسياسة لخروج بريطانيا من الاتحاد قد تؤثر على قوة الاتحاد أمام روسيا وهذا من شأنه أن يؤدي إلى قلقلة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ارتباك واضح جعل الأكثرية من البريطانيين يطالبون بإعادة الاستفتاء رافضين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي الأمر الذي قد ينعكس سلباً على صعيد السياسة الداخلية فتبعيات هكذا قرار قد تؤثر كثيراً على التماسك الموحد للمملكة المتحدة خاصة بعد مطالبة إيرلندا بالانفصال عن بريطانيا والبقاء داخل الاتحاد الأوربي وهذا ما من شأنه أن يشكل عرقلة سياسية تقف في وجه رئيس الوزراء الذي من المحتمل أن يخلف كاميرون.

مخاوف كثيرة يربطها الأوربيون بخروج بريطانيا من الاتحاد أولها أن يستجدي خروج بريطانيا شعوب دول أخرى الأمر الذي قد يهدد الاتحاد ويجعله رهيناً لتقلبات سياسية ترتبط بمجريات الاحداث ولاسيما أزمة اللاجئين التي تضغط على الوضع الاقتصادي للاتحاد إلا أن التهديد الروسي الذي بات على حدود أوربا قد يكون هو السبب الذي يعزز قوة الدول الأوربية داخل الاتحاد والسعي الجاد لعدم تكرار التجربة البريطانية وما اجتماع حلف الناتو في العاصمة البولندية وارسو إلا دليل على السعي الجاد لتكثيف قدرة الاتحاد المستمدة من توحد أعضائه إلى جانب الدعم الأميركي المبني أصلاً على وحدة الدول الأوربية داخل الاتحاد.

خروج بسلام دون اكتراث للعواقب جعل الأوربيين ينادون بالإسراع في إجراءات الخروج وهذا ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يقول: "البريطانيون اختاروا ويجب علينا أن نحترم خيارهم" داعياً إلى التفاوض بأكبر قدر من البرغماتية على تطبيق المادة خمسين من معاهدة لشبونة التي ترعى آلية خروج دولة عضو من الاتحاد الأوربي الأمر الذي من المحتمل أن يروق لكثير من الأعضاء خاصة في ظل موجة اللجوء التي لم تشهدها القارة العجوز من قبل وهذا ما قد يدفع الكثيرين للتساؤل هل ستطال الهزات الارتدادية المترتبة على خروج بريطانيا أعضاء آخرين وفي حال تم هذا فإن هناك جانبا خفيا مهما وهو قضية اللاجئين التي تكاد تطيح بالاتحاد الأوربي ليسأل سائل ما تأثير ذلك على مستقبل هؤلاء اللاجئين وأيضاً تأثيره على الدول المستضيفة ولا سيما ألمانيا التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين.