الجمعة 2020/06/19

“المجلس الوطني الكردي” وخطر الانفصال عن المعارضة الوطنية السورية

وقّع "المجلس الوطني الكردي" قبل يومين في 16/6/2020 على ما سمّي بياناً مشتركاً إلى الرأي العام، وذكر فيه أنه اختتم المرحلة الأولية من مفاوضاته مع ميليشيات ب ي د، حول "وحدة الصف الكردي"، وأنه تم التوصّل إلى رؤية سياسية مشتركة ملزمة، واعتبار اتفاقية دهوك عام 2014 حول الحكم، والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع أساساً لمواصلة الحوار، بهدف الوصول إلى اتفاقية شاملة في المستقبل القريب.

وقال إنّ هذه التفاهمات تمّت برعاية ومساعدة نائب المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي السفير "ويليام روباك" والقائد العام لميليشيات ب ي د الجنرال مظلوم عبدي، ودعم مسعود ونيجرفان البارزاني الأسرة الحاكمة لشمال العراق حالياً.

بعيداً عن الكمّ الكبير من الأسئلة التي ليس لها جواب، والتي ليست هي مثار النقاش في هذا المقال، لكن يمكن اختصارها بسؤالين فقط عن تاريخ وحجم الوجود الكردي في المنطقة الذي يخوّلهم للحديث عن حكمها وإدارتها، وكأنّها أرض بلا شعب يعيش عليها منذ آلاف السنين، مثلما لا يحدد حديثهم في موضوع حمايتها والدفاع عنها، من هو الطرف الآخر المقصود بهذا الكلام.

 هذا البيان الذي رعاه السفير الأمريكي لا شيء يشبهه مثل "وعد بلفور" الذي  أصدره وزير الخارجية البريطاني آنذاك " آرثر جيمس بلفور" وتبع ذلك وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، بهدف أساسي هو تحقيق وعد بلفور، وفتح الباب أمام اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين، وإقامة دولة يهودية فيها.

بيان السفير الأمريكي لم ينس الإشارة إلى الفائدة التي سيجنيها باقي "السوريين من جميع المكونات" من هذه "الخطوة التاريخية" بما يشبه أيضاً إشارة بلفور في وعده المشؤوم إلى عدم انتقاص " الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين".

الإشارة إلى اتفاقية دهوك 2014 يثير الشكوك حول المساحة التي يتحدث البيان عن حكمها، اتفاقية دهوك تستند بالأصل على اتفاقيتي هولير 2012 والتي تعني في ذلك الوقت تلك المناطق الضيقة على الشريط الحدودي التركي، التي يرى الأكراد أنهم يشكّلون أغلبية سكانية فيها، فالحديث عن عام 2014 يعني إمكانية الحديث في مرة قادمة عن 2020، والأمر الواقع الجديد الذي فرضته القوات الأمريكية على الأرض، بتمكين ميليشيات ب ي د من السيطرة على ما يقرب من ثلث مساحة سوريا، واحتلالها لمدن وبلدات وقرى عربية بعيداً جداً عن الحدود التركية تصل إلى ضفاف نهر الفرات، في محافظتي الرقة ودير الزور اللتين كانتا وبشكل كامل خارج اتفاقية هولير.

الإشارة أيضاً إلى حضور البرزاني الكردي العراقي في صف المجلس الوطني الكردي، ومقابله بالطبع أوجلان الكردي التركي في صف ميليشيات ب ي د، يثير التساؤلات حول مدى تبعية الأكراد السوريين لهذين المشروعين، سواء في أربيل أو في قنديل، ومدى إمكانية السير على خطاها فيما لو حصلوا على حكم أو إدارة ذاتية في الذهاب إلى الانفصال بدولة كردية مستقلة على غرار ما حصل في استفتاء انفصال شمال العراق 2017 الذي قاده مسعود البرزاني.

مناطق شمال شرق سوريا تحت انتداب أمريكي يشبه الانتداب البريطاني على فلسطين الذي كان غطاء أساسياً للأعمال الوحشية التي ارتكبتها عصابات الهاغاناه التنظيم العسكري للحركة الصهيونية، و "الهاغاناه ب" التي عُرفت لاحقاً باسم تنظيم "الأرغون" الذي تزعّمه "مناحيم بيغن"، ورغم أن الهاغاناه كانت  تستنكر أحيانا في بيانات لها بعض عمليات الأرغون، إلا أن  زعيم هذا التنظيم بيغن أكد مراراً وجود تنسيق عسكري بين التنظيمين وفقا لخطة اقتسما فيها الأدوار والمهام.

في الحالة الكردية في سوريا يوجد الآن عصابات ب ي د، التي تمارس أعمالاً إرهابية تشبه إلى حد كبير ما فعلته عصابات الهاغاناه في فلسطين من تهجير وحرق وتدمير وتجريف قرى عربية بأكملها، ومصادرة ممتلكات الأهالي وطردهم من أراضيهم، وإحداث تغيير ديموغرافي بجلب مستوطنين جدد لاستيطان هذه المناطق العربية، واتفاقيات هولير ودهوك تناقش دخول البشمركة الجناح العسكري للمجلس الوطني الكردي، الذي لم يدخل سوريا حتى الآن، ولم يشارك في القتال إلى جانب الجيش الحر سابقاً، والجيش الوطني حالياً رغم وجود تمثيل رسمي له في الائتلاف الوطني السوري، إلى جانب ممثلي الفصائل المنضوية في الجيش الوطني.

 المجلس الوطني الكردي  يعمل منذ بداية الثورة السورية في صفوف المعارضة السورية الوطنية، وله تمثيل مستقل وتأثير كبير في كل مكوناتها سواء في الائتلاف الوطني، أو هيئة التفاوض، أو اللجنة الدستورية، ويستطيع من خلال أدواره هذه تحقيق تطلعات الشعب الكردي، وتحصيل حقوقه الدستورية في مستقبل سوريا، التي حرمه منها نظام البعث، ورفع كل المظالم التي ارتكبها نظام الأسد بحق الشعب الكردي، ويخطئ المجلس الوطني الكردي كثيراً بدخوله في هذا المشروع إلى جانب عصابات ب ي د، وهي التي فعلت بحق كوادر المجلس الوطني الكردي قريباً مما فعله نظام الأسد بهم من اعتقال وتنكيل، ووصل الأمر إلى التصفية الجسدية للوطنيين الكرد الذين رفضوا مشروع ب ي د.

مشروع ب ي د بالرعاية الأمريكية ليس أكثر من بوابة إلى حرب أهلية في المنطقة، وعلى المجلس الوطني الكردي أن ينأى بنفسه عن الشراكة مع ب ي د، وأن يحافظ على مكانته وشراكته مع القوى الوطنية السورية التي تعمل على الوصول إلى حل سياسي على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي.

كما على المجلس الوطني الكردي أن ينأى بقوات البشمركة عن أي شراكة مع عصابات ب ي د التي تريد توريط البشمركة في أعمالها الإجرامية ضد أبناء المنطقة، والتي وثّقتها الكثير من المنظمات الدولية، مثل منظمة العفو، والعديد من منظمات حقوق الإنسان.

لا فرق عند السوريين بين كبار مجرمي الحركة الصهيونية وعصابات الهاغاناه والأرغون مثل مناحيم بيغن وإسحق رابين وموشي دايان وشمعون بيريز، وبين كبار مجرمي حزب العمال وعصابات ب ي د مثل مظلوم عبدي وألدار خليل، كما لا فرق عندهم بين غولدا مائير وبين إلهام أحمد.

البيان الصادر عن الوطنيين السوريين في استنكار المفاوضات الجارية بين المجلس الوطني الكردي، وعصابات ب ي د، هو دعوة صادقة ورغبة أكيدة في بقاء المجلس الوطني الكردي ضمن صفوف المعارضة السورية، وضمن مشروعها الوطني في التخلص من نظام الأسد، وإقامة دولة المواطنة التي تمنح جميع أبنائها حقوقاً متساوية دون أي تفريق بينهم، فهل يستجيب المجلس الوطني الكردي لهذه الدعوة؟