الجمعة 2016/10/07

القوات الثورية الضاربة لأنس العبدة

يبدو أن أنس العبدة قد حصد نتائج مواقفه الذكية الملائمة وتصريحاته القوية المميزة فجدّد أصحاب القرار له ليبقى رئيساً للائتلاف بلا منافس أو مقارب... وكيف لا وهو قائد القوات الثورية الضاربة على الأرض:

"أعتقد أن جميع قواتنا على الأرض ستبتعد عن جبهة فتح الشام، خاصة خلال الأيام السبعة القادمة، لأن (الجبهة) ستصبح هدفاً عسكرياً مثل (داعش)، بموجب الاتفاق الموقع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية"، بهذه العبارات أوردت صحيفة الغارديان البريطانية تصريحات لرئيس الائتلاف المعارض أنس العبدة ،يوم الثلاثاء 13-9-2016.

وليس بالغريب أن ينفي العبدة باللغة العربية ما صرح به بالإنكليزية في تغريدة على صفحته في موقع "تويتر" , وكتب بعد يوم واحد: "توضيح: لم أُعطِ تصريحاً للغارديان، وما نسب لي هو فهم مجتزأ وخارج سياق ما تحدثت به في كلمة عن الهدنة وتحفظاتنا عليها في البرلمان البريطاني", والذي دفع العبدة إلى النفي المجزوء الملفوف المتوتر على "تويتر" هو ما صدر من الداخل والخارج من ردود فعل فورية غاضبة ومستنكرة تكاد تكون موحدة ومتجانسة وصادرة من كل الفصائل المقاتلة والهيئات الثورية الرديفة, ووصلت الردود الواضحة الحاسمة إلى حد رفع لافتات تقول :"فتح الشام منا ونحن منها", وكانت حدة الردود متوقعة خاصّة بعد تضحيات جسيمة قدمتها الجبهة في معارك حلب الأخيرة مع شركائها من باقي الفصائل...

تلك المعارك وما قبلها جعلت تلك الفصائل مجتمعة رأس الحربة العسكري للثورة السورية...وبالعموم ذُهل الجميع من موقف العبدة المتجاوب مع الغرب ضد جبهة فتح الشام في وقت اتضح فيه أن كل الأطراف الدولية العابثة بالملف السوري تريد نوعاً من الحسم العسكري ضد الثورة السورية ونوعاً من مفاوضات الاستسلام تُنهي به "الأزمة السورية".

واصطدم نفي العبدة بقوة بالصحفي البريطاني المعني بالأمر "باترك وينتور" الذي قال لعدة وسائل إخبارية بعد نفي العبدة, أنه التقى "العبدة" في لندن ضمن اجتماع الجمعية العامة لمجموعة "أصدقاء سوريا"، و أنه عرّف عن نفسه وعن الصحيفة التي يعمل فيها (الغارديان)، و وجه سؤالاً محدداً للعبدة "عما إذا كان يرغب العبدة في أن تعلن فصائل الجيش الحر أو المعارضة المعتدلة انفصالها عن النصرة؟".

وتابع "وينتور"، قائلاً: إن "الجواب على السؤال من العبدة جاء كما نُشر في صحيفة الغارديان الصادرة بتاريخ 13/9/ بالحرف الواحد، وأكد "وينتور" أن العبدة أضاف في جوابه لـ(الغارديان)، "نصيحتنا لجميع قواتنا العسكرية على الأرض هي التأكد من الابتعاد عن جبهة فتح الشام في أقرب وقت".
وقد حاولت عدة محطات اخبارية التواصل مع رئيس الائتلاف أنس العبدة، للرد على تأكيد (الغارديان) لتصريحاته، لكنه رفض التكلم ورفض فتح الموضوع مجدداً..

ونُسف نفي العبدة نسفاً نهائياً عندما نبش معارضون تصريحات مسجلة بالصوت والصورة للعبدة عام 2014 على هامش مؤتمر جنيف 2 قال فيها :"سنكسّر رأس جبهة النصرة كما كسّرنا رأس داعش"....كلام قوي يوحي بأن صاحبه يمتلك جيشاً ضخماً في الداخل السوري المنتفض.

أنس العبدة أسس في لندن مع آخرين عام 2006 حركة العدالة والبناء كحركة اسلامية معتدلة معارضة وأنشأ لها موقعاً مميزاً على النت, وحرص على إنشاء نسخة خاصة للموقع باللغة الانكليزية, ومن النسخة الانكليزية سحب إشارات الصبغة الاسلامية للحركة تماماً ليكون أقرب إلى المزاج والقبول الغربي وذهب إلى أبعد من ذلك فوصف مثلاً حركة حماس في أحد منشوراته بالحركة الإرهابية, ونشر كل ما يتماشى مع مفاهيم الغرب وقياساته وكان كل ذلك بالطبع على الموقع بنسخته الإنكليزية فقط....وقد نجح تدبير العبدة هذا فوصفت الولايات المتحدة وقتها أصحاب حركة العدالة والبناء بـ "الليبراليين الإسلاميين المعتدلين".

وأمام من يتهم العبدة بالولاء المطلق القديم المحَدَّث للأجهزة الامريكية والبريطانية المعنية بالقضية السورية قبل الثورة وبعد انطلاقها ...لا ينفي العبدة علاقته القديمة بالأمريكان, ولا ينفي استلامه مع آخرين مبلغ 6.3مليون دولار من مؤسسة "هوم فريدوم" الأمريكية إحدى واجهات وكالة المخابرات الأمريكية المركزية, والتي افتتح بها قناة بردى الفضائية لتكون قناة رسمية لإعلان دمشق وصرف من المبلغ عدة مرات اخرى على إعلان دمشق واجتماعاته وعلى بعض أعضائه الذي كان هو أحد ممثليه في الخارج.
واستجاب أنس العبدة أثناء الثورة لضغوط وإرادات كلها ذات صلة بما يريده الغرب.

ففي 26-8-2013 وافق هو ونذير الحكيم وسالم المسلط عن الائتلاف في اجتماع مع المجلس الوطني الكردي على شطب كلمة "العربية" من اسم سوريا لتصبح عندهم الجمهورية السورية بدلا عن الجمهورية العربية السورية، واستجاب لرغبات الأحزاب الكردية الانفصالية وزين لهم وبارك لهم بالفدرالية واعتبر أن "الفيدرالية لا تعني التقسيم، بل على العكس تماماً، هي نوع من اللامركزية السياسية" وأشار الى أن من حق الكرد المطالبة بما يرونه مناسبًا لحل قضيتهم الكردية في سوريا.

واعترف أنس العبدة ضمناً بالكيان الكردي المسمى "روج آفا" عندما سالته مراسلة قناة روداو قبل أشهر :هل ستوافقون على دخول مقاتلي روج آفا إلى منطقة عزاز فقال لها نعم... أن وجود قوات “كردية” على الأراضي السورية سيؤدي إلى “إحداث توازن حقيقي، وحصول الأمان للشعب السوري عامة، والكرد بشكل خاص”. ونسي العبدة أن لا وجود سكاني للأكراد في عزاز وتناسى العبدة أن تل رفعت البلدة العربية الملاصقة قد اغتُصبت من الأحزاب الكردية في نفس المنطقة وما تزال.

وفي مفاوضات جنيف حرص أنس العبدة على أن يكون ضمن الوفد المفاوض ولم يلتفت كثيرا إلى ما يجري في المفاوضات وانشغل في جنيف ببراعة في تعزيز علاقاته الشخصية مع الدبلوماسيين والسفراء وأفادته هذه العلاقات كثيرا في الطريق إلى رئاسة الائتلاف..
وبعد أن استلم أنس العبدة رئاسة الائتلاف أعلن ارتباط المسألة في سوريا بإرادات الدول الكبرى ولم يذكر دوراً فاعلاً للثوار والمقاتلين على الأرض فقال: "إن قرار الحل والربط في الأزمة السورية أصبح بيد القوى الكبرى، وإن كل من المعارضة والنظام غير قادرين على الحسم العسكري، وأن المدنيين هم وحدهم الذين يدفعون الثمن".

ولكن من أوصل أنس العبدة اصلاً إلى رئاسة الائتلاف؟، أنس العبدة لا يملك عصبة فمن بقي معه من حركة العدالة والبناء لا يجاوز أصابع اليد الواحدة ومع ذلك دخل الائتلاف...أنس العبدة لم يُدرج اسمه ضمن الحصص والمحاصصة التي تشكلت وتكرست في صفوف المعارضة ومع ذلك دخل الائتلاف.

أنس العبدة لم يُرشَّح من المجلس الوطني ليكون في الائتلاف عن المجلس ومع ذلك دخل الائتلاف، ويبقى السؤال السهل: إذاً من أوصل أنس العبدة إلى المجلس الوطني ثم إلى الائتلاف ثم إلى رئاسة الائتلاف؟ ثم إلى الولاية الثانية في رئاسة ائتلاف قوى الثورة و المعارضة؟.
هل أوصله إلى ذلك الأمريكان وحلفاؤهم وأصروا عليه كرة أخرى بعد جهوده وتجاوبه ومسايرته, وله معهم بعد الماضي الجميل مستقبل واعد موعود؟..

مستقبل قريب جداً يمرر فيه أنس العبدة وشلة من الذين معه ما تردد مؤخراً من قبول الائتلاف بفكرة وجود بشار على رأس فترة انتقالية ثم انتخابات يشارك فيها بشار... وإذا شارك بشار فسيفوز بلا صعوبة تُذكر وبلا منافس يجمع, مستخدماً رعب السنين ووجود كامل لأجهزته الأمنية.

هل الأمر أصبح قريباً من ذلك أم أن أنس العبدة دخل الائتلاف ووصل إلى رئاسته وجدد من جدد له لأن لديه على الأرض كما أعلن للغارديان "قواتنا"...هل لأنس العبدة قوات ضاربة ضخمة وقطعات عسكرية ثورية مقاتلة عديدة ضغطت و أوصلته إلى رئاسة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة ورمت بثقلها مرة ثانية ليُجدد له رئيساً, ومن الطبيعي أن يوجه إليها بصفته القائد العام للجيش الحر وقوات الثورة المسلحة الأمر العسكري المباشر المتضمن في المرسوم الرئاسي الصادر يوم 13-9-2016:

أولاً: تبتعد وتنفصل كل فيالقنا و ألويتنا وكتائبنا عن إرهابيي النصرة فوراً وابتداءً من تاريخ قرارنا هذا....
ثانياً: يُنشر القرار ويُعمم في الصفحات الرسمية وعلى المسؤولين المعنيين متابعة تنفيذ مرسومنا هذا.