الثلاثاء 2018/02/27

القبيسيات.. عندما تكون المرأة خطراً على المجتمع

القبيسية هي حركة مجتمعية دينية معروفة لدى أواسط المجتمع السوري السُنّي، ولمن لا يعرفها فهي حركة دعوية نسائية ظهرت في سبعينيات القرن الماضي، على يدَي منيرة القبيسي وبدعم مباشر من مفتي الجمهورية آنذاك أحمد كفتارو.

انتشرت الحركة التي ركزت مجهوداتها على نصف المجتمع السوري المُهمّش، وأقصد به نساء الطبقة فوق المتوسطة السنية، والتي لم يُسمح لهن بعد أن تُشاركن في المجتمع كعضو فعال، فاستغلت تلك الحركة ذلك الفراغ، وسرعان ما انتشرت رغم ادعاءات محاربة السلطات لها (والتي أعلن عن منحها تراخيص العمل رسمياً عام 2006).

ركّزت الحركة نشاطها على نساء العائلات الدمشقية العريقة، واللواتي كُنّ قوّة برجوازية مالية لا يُستهان بها، كما اهتمت الحركة بأصحاب الاختصاصات العلمية منهنّ، ومن خلال (مُساعداتهنّ) بدأت الحركة تتوسع وقد قُدّر يوماً أنّ ما تملكه أكثر من 200 مدرسة على امتداد القطر.

طبعاً فإن إطلاق اسم (القبيسيات) على هذه الحركة لا يُعتبر أمراً صحيحاً فعلياً، بل هو نوع من أنواع التمييز لهنّ، كونهنّ لا يملكن اسماً محدّداً لهنّ، كما إنّهنّ لا هدف محدد مُعلن لهنّ أيضاً، ولا كتب خاصة (على الأقل كما يدّعين).

فالاسم في سوريا جاء من مؤسسة الحركة منيرة القبيسي، التي دُعمت فكرياً من قِبَل محمد سعيد رمضان البوطي، وسياسياً ولوجيستياً من قِبل أحمد كفتارو، والذي راقه أن تتبنى منيرة فكرة الصوفي على الطريقة النقشبنديّة، ولعلها كانت صفقة منيرة الرابحة؛ حيث ركبت الموجة آنذاك ونجحت كعادتها في تجاوز صعاب تواجد مؤسسة نسائية تزاحم ما اعتاده النمط الدعوي الذكوري.

أمّا في الأردن فقد عرفن بالطباعيات نسبة لزعيمتهن (الحجة) فادية الطباع، وفي لبنان بالسحريات نسبة إلى (الآنسة) سحر حلبي، أما لقب آنسة هذا فله قصّة ومكانة لا تحوزها إلا قلّة من المرضيات عليهن، اللاتي يخوّل لهن أمور ممارسة الدعوة والتنظيم وإلقاء الدروس في المدارس الخاصة بالجماعة (قُدّر تبعية أكثر من 50 % من المدارس الخاصة وأكثر من أربعين مسجداً في أحياء دمشق الراقية للجماعة).

بقيت الجماعة هاجساً أمنياً للسلطات السورية حتى مطلع الألفية الثانية، وكانت نشاطاتها تحظى بمراقبة مكثفة، كونها كانت بالأصل صفقة ترضية للمجتمع السني بعد نكسة يونيو/حزيران وأحداث الإخوان المسلمين الدامية.

تدين الحركة بديمومتها وانتشارها لحنكة مؤسستها وراعيتها، خريجة العلوم الطبيعية، التي اهتمت بعدم التصادم مع أيّ مكون أو اتّجاه أو تيار في المجتمع السوري، حتى إنّها تخلّت عن أحلامها بالتغلغل في أوساط المجتمع الحلبي المُحافظ، الذي أبدى مقاومة شديدة لانتشار أفكار الجماعة الصوفية والمُعدّلة.

يتصف تنظيم الحركة بالغموض، ككلّ تفاصيلها، إلا أنه من المعروف أن تدرّج المستويات يبدأ من الأعلى، الحجّة، حيث تُسمى كذلك رئيسة التنظيم، أو من في حكمها، أما (الآنسة) فهي العصب الرئيسي للتنظيم، وهي من تقوم بالدعوة وإحياء (حلقات الذِّكر) ويُطلب منها أن تكون صاحبة كاريزما (لعلّ من السخرية أن نقول: إنّ التبحر بالعلوم الشرعية لا يُعتبر شرطاً لبلوغ مرحلة آنسة) كونها تجمع التلميذات حولها بشخصيتها ورابطة العاطفة، وهنا مكمن خطورة الجماعة ككلّ.

تعتمد الجماعة على الطاعة المطلقة والعمياء للآنسة، والتي يُعدّ رضاها من رضا الله ورسوله. فللآنسة سلطة مادية ومعنوية على التلميذات، واللواتي عليهنّ مكاشفتها بأدق التفاصيل، وسماع نصائحها والتقيد الحرفي (الإلزامي أو الطوعي) بما تقول وتنصح وتقترح. هذه الآنسة التي سرعان ما تم اختراع صفات خارقة لها، فهي المتحكمة بمزاج التلميذات، ولها الاطلاع تام على خفاياهن ونواياهن، فهي (تشمّ) خطاياهن وتكشف زوغانهن عن الطريق القويم إن حصل.

ينعكس تقسيم الجماعة على الملابس المستخدمة أيضاً، فالتلميذات يرتدين (البالطو القصير) ويستخدمن اللون الأبيض لحجابهن الإجباري، والذي لا يغطي الوجه، ويتم عقده على الرقبة، ذاك اللون الأبيض الذي يزداد زرقة مع تدرج التلميذة في (حلقات الذكر) وبراعتها في حفظ وتجويد القرآن الكريم، إلى أن يتحول إلى أزرق كحلي، أو أسود بالنسبة للحجة.

ليس هناك مراسم خاصة لترسيم التلميذات، إلا أنّ الجماعة تلتزم بإقامة تلك الحفلات الفارهة، والمصروف عليها بكرم، والتي تُعد في آن أحد أهم مصادر دخل الجماعة، ثم يُفرض على التلميذة حضور (حلقات الذكر) والتي يتم نصيب الآنسة فيها على كرسي عالٍ، وتتناوب التلميذات على تقديم فروض الطاعة لها (تقبيل القدم، نيل البركة، التهافت على نيل فضالة كأس الماء الخاصة بها) ولحلقات الذكر هذه صفة الهيجان الجمعي؛ حيث يتم أحياناً إطفاء أنوار المسجد مكان الحلقة، وتتبارى التلميذات أيّهن تفقد الوعي أولاً، حيث إن ذلك يُعتبر كرامة للتلميذة، وحظوة لها عند الخالق.

الجدير بالذكر أنّ من مبادئ الجماعة الأساسية، تحريم زيارة النساء للمساجد، إلا أنه يبدو أنّ هذا المبدأ قد تم التخلّي عنه آنفاً، بعد أن خصّصت السلطات مساجد خاصة بالجماعة.

تنكر الجماعة قولها بالحلول وبوحدة الوجود، إلا أن كلّ أدبياتها تتناول ذلك وتؤمن به.

تتجسد خطورة هذه الجماعة بسيطرتها على التلميذة المنتسبة، وتحويلها إلى ما يشبه الدمية بطاعتها المطلقة وذوبانها في الجماعة، حيث يتم تحميلها المهمات المتعددة والمتكررة (والتي تصب في خدمة الجماعة)، مما يؤدي إلى انفصام التلميذة عن المجتمع وتطوراته، كما يتم شحن التلميذة بأصول الطاعة وتفضيل الذكر والتواكل، وغالباً ما تؤدي هذه الأفكار إلى عنوس المريدة، وتفضيلها خدمة الجماعة على بناء الأسرة، وكل ما يترتب على ذلك من آثار نفسية مؤذية على التلميذة المكبلة بتقديم خدمات لا نهاية لها للجماعة.

تعمل الجماعة على تشييء المرأة والتقليل منها، وهنا تبدو غرابة الأمر؛ حيث إن معظم منتسباتها من صاحبات الشهادات العلمية العالية، إلا أنّ لعب (الآنسة) على وتر العاطفة، يبدو أنّه كان ورقة الجماعة الرابحة، وبها كسبت تأييد المرأة لكلّ ما يشجع على استغلالها والتقليل من شأنها عن طيب خاطر.


المصدر : هاف بوست