السبت 2017/07/29

الفلسطينيون حينما يتنصرون للأقصى مرة أخرى.. وحدهم 

لعل المشهد الجديد اليوم في الأقصى خطف أذهاننا لاستذكار ما جرى لهذه الرقعة المباركة قبل نحو ستين عاما، لكن بآليات وكيفيات مختلفة تسعى في نهاية المطاف إلى محاولة طمس معالم أول قبلة للمسلمين أو السيطرة عليه، واللافت أنه في كلتا الحالين لم ينصر المسجد إلا الفلسطينيون أنفسهم دون انتظار أي اجتماع عربي أو دولي أو انتظار نجدة أي جيش من جيوش الدول العربية التي أيقن صغير العرب وكبيرهم حكيمهم وجاهلهم أنها مجرد جيوش "كرتونية مهترئة" أمام المعتدين الغازين.. و "عتية صلدة" أمام شعوبها تقمعهم وتزج بهم في غياهب السجون إن أبدوا استياء أو معارضة لقول الحاكم.

بعد نحو عامين من احتلال الصهاينة شرق القدس أي في العام 1969 أقدم متطرف أسترالي الجنسية يدعى "دينس مايكل روهان" بتواطؤ مع الاحتلال على إشعال النيران في المسجد الأقصى ليسبب آنذاك حريقاً كبيراً التهم أجزاء مهمة من المسجد وآثاراً وزخارف تعود إلى العهدين الأموي والعباسي، وكان من أبرز ما حُرِقَ المنبر التاريخي الذي بناه القائد الذي أرعب صليبيي المشرق والمغرب "نور الدين زنكي" ليوم تحرير الأقصى، وأحضره إلى المسجد "الفاتح صلاح الدين الأيوبي" عندما حرر بيت المقدس من أيدي الصليبيين عام 1187 للميلاد.

في ذلك الحين تواطأ الاحتلال في جريمة حرق المسجد، فبينما كانت الحرائق تلتهم أحد أطهر المقدسات الإسلامية، أقدم الصهاينة على قطع المياه عن منطقة الحرم وحاولوا منع سيارات الإطفاء من التقدم نحو المنطقة، إلا أنهم لم يستطيعوا إيقاف زحف الفلسطينيين الذين تهافتوا حينها من كل حدَب وصوب ليطفئوا بإمكانات متواضعة حريقاً توسع جداً وكان لهم ذلك بعد تكبيراتٍ هزت الكيان كما هزته اليوم وأجبرته صاغراً وضيعاً على إزالة كل الإجراءات الأمنية التي استحدثها بعد واقعة مهاجمة ثلاثة فلسطينيين جنوداً صهاينةً قتلوا منهم اثنين واستشهد الفلسطينيون الثلاثة.

وعلى الرغم من إلقاء الصهاينة آنذاك القبض على الجاني مدبر الحريق في مسرحية واضحة زعموا فيها أنه "مجنون" ، إلا أنه عاد إلى بلاده سليماً معافى، ولم يطالب أي حاكم عربي بمحاكمته على تلك الجريمة البشعة، تماماً كما لم يطالب أي حاكم عربي اليوم بشكلٍ جاد أو بتحرك حقيقي باتجاه القدس ليُكبّرَ مع الفلسطينيين ويشد على أيديهم في وجه هؤلاء البرابرة ، وإن زعمت السعودية أنها كانت السبب وراء عزوف الاحتلال عن إجراءاته المستحدثة فتلك كذبة قبيحة ومثيرة للسخرية، فمن غير آل سلمان وآل زايد دعموا ترامب بمليارات الدولارات قبيل توجهه إلى الأراضي المحتلة لِلقاء قادة الصهاينة كي يعلن من هناك أنه سيدعم كيانهم ويقوي شوكتهم، وقد هتف الفلسطينيون في القدس ضد آل سعود بعد أن شعروا بسلب النصر الذي وصلوا إليه حينما ادّعتْ السعودية أن تخفيف التوتر في المسجد الأقصى كان بسبب اتصال من سلمان بن عبد العزيز متجاهلةً حناجر وصمود وأنفة هؤلاء الشجعان.

حينما وقعت جريمة حرق الأقصى قبل ستين عاماً قالت رئيسة وزراء الاحتلال الإسرائيلي آنذاك  "غولدا مائير" : (اعتقدت أن إسرائيل ستُسحق ، لكن عندما حل الصباح أدركتُ أن العرب في سبات عميق !) .

كم كانت (مائير) صادقة في استنتاجها الذي توصلت إليه في ذلك الحين، ولكن السباتَ الذي تحدثت عنه تلاشى واندثر في يومنا هذا، فالحكومات العربية الحالية  قد استفاقت ونهضت من غيبوبتها منذ زمن، لكن على من استفاقت يا تُرى وبصف من وقفت، وشوكة من قوّت، وبطن من أطعمت، وجسد من كست، وخزائن من ملأتها بالأموال والثروات، والسلاح والجيش ضد من سيّرتْهُ، ومن هم الأشخاص الذين يقبعون في سجونها ؟ ! ..

لا يقتصر الأمر على تعرية أجوبة تلك الأسئلة لكافة الحكومات العربية الحالية، بل إن الخذلان والخزي تصاعد إلى درجة عقد العرب اتفاقات سرية مع الاحتلال لكسب رضاه وولائه، فالأيام كل يوم تأتينا بجديد، وقد لا يكون بن زايد الذي فضحته مؤخراً صحيفة هآرتس كاشفة عن لقاء جرى بينه وبين نتنياهو في 2015 آخر مشاهد التواطؤ العربي ضد المسلمين، فالصحيفة أكدت أن بن زايد شدد لنتنياهو على أن الإمارات معنية بتطوير العلاقات مع "إسرائيل"، وليس الحال بمصر السيسي أقل خذلاناً من حكام أبو ظبي، فقائد الانقلاب يمنع على الفلسطينيين فتح معبر رفح الإنساني الوحيد إلا في أيام معدودات في السنة بعد أخذ الإذن من أسياده في تل أبيب، هذا فضلاً عن حكومات عربية أخرى تشارك أو ترضى بتصنيف حركة حماس التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي على لائحة الإرهاب ليس لشيءٍ سوى لاسترضاء العم سام، فليتك أيتها الحكومات ظللت راقدةً في طور سباتك العميق الذي تحدثت عنه ( مائير ) ولمّا تستفيقي منه بعد.. فعدم وجودك أصبح أفضل من وجودك.. وأما الأقصى فله رجال يحمونه كما له ربٌّ يحميه..