الأحد 2016/06/05

العبد سعيد وبشار الأسد

المنتمين لهذه المجموعة، وربما تعد القبيلة بشكلها الناضج أول تجربة مدنية للإنسان، حيث نقلته من حالة الفوضى إلى حالة التنظيم؛ من القاعدة إلى القمة، ورتبت علاقات البشر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من خلال مجموعة قوانين تعارف عليها أبناء القبيلة في علاقتهم مع بعض، أو من خلال علاقاتهم مع القبائل الأخرى .

تختزن القبيلة في ذاكرة أبنائها الكثير من مكونات ثقافية شعبية، منها البسيط الذي يروي تفاصيل الحياة اليومية، إلى المعقد الذي يصلح أن تُسقطه على كثير من ظروف حياة السوريين ،أو على شؤون البشر عامة .

في قبيلتنا- قبيلة الفضل -التي عاشت طويلاً في هضبة الجولان، مع بعض القبائل والعشائر العربية ،والتي شُردت في بلاد الله طولاً وعرضا، بعد أن بيعت للصهاينة على حد رواية الكثيرين من الساسة والأهالي الذين عاصروا الأحداث، وكانوا في دوائر صناعة القرار . في قبيلتنا -قبيلة الفضل- يروي الطاعنون في السن قصة (العبد سعيد)، وهي تضرب لكل من وضع في غير مكانه، وملخص القصة أن: شيخ قبيلة لم يُعقب بنيناً، أو بناتاً، وهلك، وقد كان هذا الشيخ حصيفاً عادلاً . فأصاب أهل القبيلة غمٌّ كبير على فقد شيخهم أولاً، وعلى من سيحل مكانه، ويحمل القدرات نفسها، حار أهل القبيلة في أمرهم، وهم يبحثون عن البديل، فقال أحدهم : لا يوجد من يحل مكان الشيخ إلا العبد سعيد، وهو الغلام الذي يخدم في بيت الشيخ ويحضر له القهوة المُرَّة في جلسات الشيخ التي يحضرها أبناء القبيلة، ويستمتعون بما يروي لهم من قصص، مدارها مكارم الأخلاق، أو من حلول يطرحها للقضايا التي تستشكل على الناس، و يبهرهم الشيخ بحلوله الإبداعية، التي ترضي الجميع ، وتشيع العدل والرضا بين الناس، إن العبد سعيد كان ملازماً للشيخ، ومن المؤكد أنه لكثرة المكوث بين يديه حفظ كل قصصه ،وتعلم منه كيف تدار شؤون القوم .

أعجب أبناء القبيلة بهذا الحل، ووجدوه طوق نجاة، وأبلغوا العبد سعيداً بأنهم سيجعلونه شيخاً عليهم، وأنهم سيجتمعون الليلة في خيمة الشيخ- رحمه الله- لمبايعة سعيد بخلافة الشيخ.

اجتمع القوم مساء، بعد أن قرروا رفع العبد سعيد لمقام الشيخ، و بدأوا يدخلون للسلام على الشيخ الجديد مصافحة، فما كان من الشيخ إلا أن مد قدمه للسلام على رجال القبيلة بدل أن يمد يده. وذهبت هذه القصة مثلا تضرب لكل من وضع في غير مكانه.

لم يستطع العبد سعيد أن يمارس الرياسة بفعلها الأخلاقي، الذي يرتقي فيه الرئيس من خلال رفعه مرؤوسيه، ومن هنا يكون لهذه الرئاسة لذة ؛أن تكون رئيساً فاضلا ترأس قوما فضلاء، لا أن ترأس رعاعاً تحتقرهم وتذلهم؛ فيخشونك بدل توقيرك وحبك ؛ ولأن العبد سعيد لم يمارس الرياسة في عمره فإنه لن يكون بمقدوره توقير القوم وممارسة شيء لم يفعله طول حياته .

لم يكن حافظ الأسد شبيها بالشيخ الحصيف ذي مكارم الأخلاق والحنكة من أجل إقامة العدل، ولكن بشاراً كان شبيها بالعبد سعيد . لقد حاولوا أن يجلبوا له أساتذة التآمر والخيانة والكذب والسفالة، في فترة إعداده للرئاسة بعد أن هلك باسل ،لقد تربى في بيئة خالية من القيم، وحمل في تضاعيف نفسه ما حمله العبد سعيد من جينات الدونية التي تجعلك تحتقر الآخرين لتثبت تفوقاً، أو لتفوت عليهم فرصة استصغار مفترض وغير حقيقي.

لم يستطع بشار أن يتغلب على جيناته ؛لأن السيادة لم تكن صليبة في هذه العائلة ‘لقد تحصل حافظ أسد على السلطة في سوريا بالمكر والخيانة والبطش, وثمة فرق شاسع بين السيادة والسلطة، السيادة أمر تعترف به الأمة إقراراً لقائد بفضله كما في المثل العربي : ( نفس عصام سودت عصام) . أما السلطة فأنك تحوزها بالبطش والخوف، ومن تسلطك على رقاب العباد.

بشار تجاوز العبد سعيد في فعلته ، لقد ظن أنه استحق الرياسة وهو اغتصبها، واحتقر كل شيء، وألقى بمقدساتنا في أول محطات حكمه، انتهك المساجد، وقصف المآذن ،وقام بتعيين أئمة يفصِّلون له الدين ،ونشر الدعارة في البلاد ،تحت مسمى السياحة، وختمها بنادي القمار الذي شرع رامي مخلوف بإنشائه في دمشق بني أمية.

باع العبد بشار سوريا لإيران تحت ذريعة المانعة، التي كانت ممانعته ظاهرة صوتية وحسب، وبدأت الحملات المنهجية لنشر التشيع في سوريا مستهدفة الناس في معتقدهم، وباع العبد بشار لواء اسكندرونة وحصتنا من نهر الفرات لتركيا، واستبدلها بإلغاء التأشيرات بين البلدين.

ضيع العبد بشار كل شيء، وعندما قلنا له: لا ، بدأ يدوسنا، ويضربنا على وجوهنا بأقدام شبيحته.

رحم الله العبد سعيد عندما مد قدمه إلى بني قومه ،أراد أن يسلم، ولكن العبد بشار أراد أن يسحقنا بقدميه.