الأحد 2017/07/02

السعودية وأطماعها في قطر

شهدت علاقات دول مجلس التعاون، وبالأخص دولة قطر، مع شقيقتهم الكبرى، بعد غزو الكويت في 1990 وتحريرها في 1991، تحولاً كبيراً. ولقد ذكرنا في المقال السابق أن الذي يحرك السعودية هو الأطماع التوسعية. ولأن سمو الأمير الوالد كان يعتمد أسلوب المواجهة، بعكس السياسة السابقة، ولهذا جلس سمو الأمير الوالد، يفكر في المراحل القادمة، وكان عليه التحرك بثلاث خطوات أساسية:

أول خطوة: تسلم الحكم: لقد تعب سمو الأمير الوالد من سياسة النفس الطويل السابقة وأن المشاكل بين قطر والسعودية ستحل بالزمن، ولهذا وفي يونيو 1995، تولى سمو الأمير الوالد الحكم، وقد وجدتها السعودية فرصة سانحة للحصول على قطر، فقامت بدعوة سمو الأمير الأب الشيخ خليفة من أوروبا واستقباله استقبال رؤساء الدول بكامل بروتوكولاته، وافق الشيخ خليفة على مطلب السعودية بإعادته للحكم، بشرط إعداد فرق المساندة من مؤيديه في الداخل من الضباط، والأفراد، داخل الجيش القطري، والحرس الأميري. الأمر الخطير أن كثافة تحركات السعودية، والأوامر التي أعطتها لأفرادها، كان هدفها ليس إرجاع الحكم للشيخ خليفة ولكن هدفها، حسب ما ذكره البعض في تلك الفترة، كان الاستيلاء على قطر كغنيمة حرب، توجهت جيوش الدول الثلاث "السعودية والإمارات والبحرين"، في فبراير 1996، إلى الحدود القطرية. وكانت تلك الجيوش جاهزة للانقضاض على قطر، لدرجة أن قائدي جيشي الإمارات والبحرين كانا متواعدين على الغداء في أحد المطاعم القطرية، وقبل التحرك بلحظات، وبدون أن تطلب قطر، تحركت الأساطيل البحرية الإيرانية، لتستقر قريباً من المياه الإقليمية القطرية والبحرينية، محذرة السعودية بأن أي تحرك لها أو لغيرها على قطر سيجابه بتحرك إيراني. لقد صدق الرئيس الأمريكي ترامب عندما وصف السعودية في إحدى تغريداته على تويتر بقوله "السعودية لا شيء سوى أبواق فارغة، ، لديهم المال وليست لديهم الشجاعة"، وبعد أن سمعت السعودية بالتهديد الإيراني انسحبت بالكامل. أما الإمارات والبحرين فقد سحبتا قواتهما بمجرد سماعهما بالتحرك الإيراني. وبحفظ من الله ورعايته، لأهل هذه الأرض الطيبة، فشل الانقلاب وتم إلقاء القبض على كل من شارك فيه. وفي عام 2010 أصدر الأمير الوالد، بعد وساطة من خادم الحرمين الشريفين، عفواً بحق بعض المتهمين بالمحاولة الانقلابية.

الخطوة الثانية: إقناع أمريكا بإنشاء قاعدة أمريكية لها في قطر: السعودية كانت تستمد شرعيتها انها تضم الحرمين الشريفين، وتضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية. وكانت توهم العالم بأنها من أفضل الدول تسلحاً في الشرق الاوسط، وأكثر جاهزية. ولكن كل تلك الهامة تداعت عندما علم العالم أنها لم تستطع حماية واحدة من جيرانها، وهي دولة الكويت الشقيقة، إبان الغزو العراقي عليها. وبهذا سقطت هالة القوة العسكرية، ووجد سمو الأمير الوالد أن الفرصة سانحة لتحقيق خطوته الثانية فعرض على الأمريكان في 1991 اتفاقية للتعاون الدفاعي، والتي تم توسيعها في وقت لاحق في 2003، لتصبح مركزاً للعمليات الجوية القتالية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط وفي 1996 استقبلت قطر معدات وأجهزة أمريكية عسكرية تكفي لتسليح لواء، ثم تطور الأمر وتمت الموافقة على إنشاء القاعدة العسكرية الأمريكية في العديد.

الخطوة الثالثة: قناة الجزيرة: أكثر ما تخاف منه السعودية وأبوظبي والبحرين ومصر هو وجود الإعلام ذي الانتشار الواسع محلياً وعالمياً. بدأت شبكة قناة الجزيرة في 1996 برأس مال يبلغ 50 مليون دولار كمنحة من سمو الأمير الوالد، استهدفت الجزيرة تحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول 2001 ولكنها لم تنجح بسبب إحجام المعلنين عن التعاقد معها وبخاصة المعلنون السعوديون، عندها وافق سمو الأمير الوالد على الاستمرار في تقديم الدعم سنوياً، ومن أول يوم بدأت الجزيرة فيه البث وصل صداها إلى جميع الآفاق.

بعد أن تحقق لسمو الأمير الوالد نجاح تأسيس تلك الخطوات الثلاث وجدنا عندها أن السعودية حولت صراعها مع قطر إلى مناوشات تعتمد على التحركات الدبلوماسية فقط. وأولى هذه المناوشات اختيار الأمين العام بالقمة الخليجية 1996 بمسقط والتي على إثرها قاطع سمو الأمير الوالد الجلسة الختامية، وفي 2000 قاطع ولي العهد السعودي القمة الإسلامية بالدوحة. وفي 2002 استدعت السعودية سفيرها لدى قطر بعد ظهور معارض سعودي على قناة "الجزيرة". وفي 2005 كشف القضاء البريطاني تمويل المخابرات السعودية عملية تشهير على قطر والأسرة الحاكمة. ولغرض تحسين العلاقات قام كل من سمو الأمير الوالد ومعالي رئيس مجلس الوزراء في 2007 بزيارة مفاجئة إلى السعودية لتحسين علاقات البلدين. ولكن في 2009 قامت السعودية وعدد من الدول العربية بمقاطعة القمة العربية الطارئة للحرب الإسرائيلية على غزة، وفي يناير 2011 وقفت قطر مع المتظاهرين المصريين وسخرت قناة "الجزيرة" التلفزيونية لهذا الغرض بينما وقفت السعودية الى جانب نظام مبارك. ولكن لا تزال المطامع السعودية على حالها وتريد أي فرصة للظهور على السطح، ولكن خوف السعودية من سمو الأمير الوالد هو الذي كان يحجمها. ولكن بمجرد تولي صاحب السمو الشيخ تميم حكم قطر خرجت الأطماع إلى السطح، وقد سافر سمو الأمير إلى السعودية وتحدثوا معه عن ضرورة انتهاج سياسات تتوافق مع سياسات مجلس التعاون الخليجى وعدم التدخل في شوؤن الداخلية لدول المجلس. قيادات الدول الثلاث اعتقدت أن الأمير الجديد سيكون من السهل عليهم تشكيله ولم يعلموا أنه هو الشخص الذي كان يقود عملية تحويل الدولة إلى دولة المؤسسات والقانون. وفي مارس 2014 حدثت أزمة دبلوماسية أدت إلى سحب سفراء تلك الدول الثلاث من قطر، كل ذلك يحدث على أمل أن تقوم دولة قطر بغلطة يصبح تدخلهم والاستيلاء على موارد قطر الاقتصادية أمراً حتمياً، وبعد 9 أشهر وبعد جهد كبير من أمير الكويت الذي يعي أبعاد المسألة انتهت الأزمة بدون أن يحرزوا أي تقدم في هذا المجال. وقاموا في 2015 بالتخطيط عبر حلفائهم من كتائب حزب الله العراقي بخطف عدد من المواطنين القطريين من ضمنهم أفراد من الأسرة الحاكمة كانوا برحلة صيد برية بموافقة رسمية من الحكومة العراقية. وكان الهدف من ذلك هو أن الفدية التي ستسلم للمختطفين هو لتبرير اتهام قطر بمساعدة ودعم الجماعات الإرهابية.

وفي الختام نقول إن دول الحصار لا ترى الخير الذي أعطاه الله لها ولشعبها ولا ترى إلا ما في أيدي غيرها. وتذكروا أن هذا رزق من الله. إن الخير الذي أعطاه لنا رب العالمين يراه الله على عباده في حين أن الخير الذي رزقه الله لأهل الإمارات والسعودية فلا يرى إلا عند بعض البشر وليس كلهم .. والحمد لله على نعمة الخير في قطر.