الأثنين 2017/07/31

السعودية حررت الجزائر .. وقاحة أعيت من يداويها

في الآونة الأخيرة، خرج علينا مجموعة من المحسوبين على المثقفين والإعلاميين ليتبنوا أعمالا خيرية وإنجازات بطولية خارجة عن المألوف والمنطق. شعرنا لوهلة ونحن نقرأ تلك البطولات المزيفة برغبة في الضحك الهستيري.

لم لا وكتب التاريخ لم تخبرنا بكل تلك البطولات. ولو أن الأمر توقف عند شهدائهم الذين لا يتجاوزون الثلاثين شهيدا في فلسطين، أو في أعمالهم المتمثلة بإنقاذ مصر وتحرير الكويت وازدهار اليمن- لغضضنا الطرف قليلا.

ولكن أن يصل الأمر إلى قولهم بتحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي ومساهمتهم في دخول أجدادنا إلى الإسلام، فهذا ما لم تقله الكتب التاريخية والدينية ولا حتى الفنية. ولو أن عقبة بن نافع وموسى بن النصير سمعا ما يقول هؤلاء، لأمرا بجيش أوله في الجزائر وآخره عندهم، ينهيهم عن بكرة أبيهم.

هذا المنطق الذي نراه بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، منطق مبني على "اكذب الكذبة ثم ضع عليها قليلا من البهار وصدقها" أصبح مقرفا. فإذا كانت النخبة عندهم لا تستطيع التمييز بين الدعم والتحرير فهذا شأن آخر، يستطيعون تجاوزه بالعودة إلى مقاعد الدراسة، والبدء بتعلم المفردات ومعانيها جديد من.

أما أن يجعلوا أرواح شهدائنا، الأكثر من مليون ونصف مليون شهيد، تتقلب في قبرها ألما، وتضحيات الشعب تذهب هباء منثورا، لينسب الفضل لهم- فهذا مما لا نسمح به، إلا إذا كان تحريرهم للجزائر أشبه بحقيقة الوسم المتصدر في بلادهم، وهو وسم " الملك سلمان يفتح أبواب المسجد الأقصى "عندها سنوقن تماما أن حجم الوهم الذي يعيشون فيه قد بلغ الزبى.

وبما أننا ناكرون للجميل، جاحدون للخير، على حد تعبيرهم، أريد أن ألخص لهم إنجازاتهم، هم وأنظمتنا العربية جميعا، حتى يعلموا أننا لا نحتفظ في عقولنا سوى بذكريات مريرة. ولك أن تتخيل حجم الإنجازات التي حققتها أنظمتنا العربية الفاشلة على مدى عقود من الزمن!

نجحت أنظمتنا في تعويدنا سماع كلمة "مؤامرة" في كل خطاب سياسي يخرجون به علينا، وكأن كواكب الأرض جميعها تريد بهم الشر وتكره لهم الخير! فالمؤامرة هي الابن الأكبر لحكامنا الأشاوس، جاء بعد طول انتظار وبعد أن نفد الصبر وزاد الشك، وانعدم اليقين، كبر وخرج علينا بقوة بعد الثورات العربية، فاعتدنا سماع هذه الكلمة على لسان كل حاكم عربي، حتى أصبحت الكلمة خالية من معناها الحقيقي، مليئة بالزيف والخداع .

وفعلا، نجحت أنظمتنا في جعلنا نؤمن بها، فأصبحنا ننسب إليها كل ما يحدث معنا، ربما لو مرت سحابة من فوقنا لاعتقدنا أنها تلاحقنا لترمينا بشرر من نار! بل وصل هوس البعض بها إلى درجة اعتبار الحرائق التي حصلت في غابات الجزائر حرائق مفتعلة، هدفها أن تمحى تلك الغابات ولا يختبئ فيها عناصر تنظيم الدولة الهاربون من الرقة والموصل، وأن جميع المكائد والدسائس التي تحاك لنا إنما تحاك لأننا عرب ومسلمون، والعالم كله يريد التخلص منا ومن إنجازاتنا الخارقة على مستوى الكواكب!

نجحت أنظمتنا العربية أيضا في تصنيف حماس على أنها إرهابية، وتفريخ عدد من أصحاب الضمير النائم الذين لا يعرفون سوى تقديم دروس في السلام مع إسرائيل، وكيفية التعايش معهم وإلقاء اللوم في الأحداث الأخيرة على كل مقاوم حر، ونعته بالمخرب. نجحت في وضع مخابرات تراقبنا في كل مكان، على هيئة مهرجين وبائعي جرائد وحلويات، أو مجانين، مخابرات ببدلات رسمية أحيانا ولحى أحيانا أخرى.

بنت لنا سجونا بامتيازات "خمس نجوم" الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود. ولنا في سجن صيدنايا وتدمر خير مثال، هددوا كل من يعترض عليهم بإبادة جماعية، كما يفعل بشار الآن، وكما فعل والده سابقا في حماه، وكما فعل صدام في "حلبجة" والسيسي في رابعة.

أما نحن، فغدونا مكتوفي الأيدي والأرجل، ندعك نحاس أعمالهم الصدئة بالملح علها تلمع قليلا، نداري سوءاتهم بالصبر، ولا نملك سوى مداراة أرواحنا حتى نهرب من المنفذ الوحيد الذي نبحث عنه.

مللنا من هدر عواطفنا في بلد، لتعيش فيه يجب أن تكون مشبعا ب "فيتامين واو" أو تكون ابنا لمسؤول كبير. سئمنا وعودهم الكاذبة وخطاباتهم الرنانة، ومنحهم المزيد من الفرص. نريد أن نحب أوطاننا بعيدا عنها وعن حكامنا الظلمة.