الجمعة 2016/09/30

الروس يلدغون من الجحر ثلاث مرات .. “ترنح الإمبراطورية”

لم يرتبط اسم روسيا سواء في حقبتها القيصرية أو الشيوعية أو المافيوية - نسخة بوتين- يوما ما إلا بتجارة السلاح وتصدير الإديولوجيا من خلال الدم، ولا يستقيم ذكر روسيا دون ذكر القيصر إيفان الرهيب 1530- ألف وخمسمائة وأربعة وثمانين، الذي كان يتعامل بقسوة مع معارضيه، فقد كانت الطريقة المفضلة له في التعذيب هي: تهشيم الأرجل قبل أن يلقي بالضحايا في الثلج، وكانت تجرى عمليات اغتصاب وقتل جماعي للنساء الإرستقراطيات، وفي بعض الأحيان كانت تباد مجتمعات بأكملها أو يتم التخلص منها بأي شكل من الأشكال، وفي نهاية المطاف قتل ابنه.

قضى إيفان الرهيب نحبه عام 1584 بعد إصابته بمرض غريب جعل جسمه يتورم، وتنبعث منه رائحة نتنة.

انتهت الحقبة القيصرية، وبدأت البلشفية السوفيتية الشيوعية عام 1917، وبدأت دراما القتل منذ عهد لينيين الذي مات مبكرا عام 1924، ولكن جوزيف ستالين (الرجل الفولاذي) الذي مات 1953 أكمل مهمة تطهير روسيا من أي شيء يعاديه، و مما يذكر أنه في ليلة واحدة (في الثامن من ديسمبر 1938) وقع ستالين قائمة بإعدام ثلاثين ألف رجل، ثم قام لمشاهدة فيلم (الرجال السعداء) أما المؤرخة الأنجليزية كاثرين مارديل في كتابها الموت والذاكرة في روسيا، فتقدر العدد بخمسين مليونا، وفي عام 1989 قال تقرير للمخابرات الروسية: إن الرقم لا يقل عن 36 مليون مواطن ، ويقدر قسم التاريخ في جامعة موسكو العدد ب 57 مليون شخص.
إن جبروت هذا الرجل يتضح من كلمة كان يرددها دائما:

(موت رجل حادث مأساوي .. موت الملايين مسألة إحصائية
سقط البلشفيون السوفييت عام 1990، وبدأت مرحلة جديدة استهلها بوريس يلتسين 1993 بقصف البرلمان الروسي، مخلفا الكثير من الضحايا بين قتيل وجريح، وقد كان هذا القصف يبث أمام عدسات الكاميرات العالمية، وليس ببعيد عن ذاكرة أحد ما حدث من مجازر في الشيشان في الوقت نفسه.

 الروس وإدمان الورطة.

ليس جديدا على الروس الدخول في مغامرات عسكرية غير مدروسة وغير محمودة العواقب، وهنا يمكن للمرء أن يسجل في التاريخ الحديث ورطتين عسكريتين كانت نتيجتهما سقوط الدولة، وليس خسارة المعكرة وحسب.

 الورطتان: الحرب العالمية الأولى وحرب أفغانستان:

دخلت روسيا الحرب إلى جانب بريطانيا وإيرلندا وفرنسا، ضد ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا، وكانت نتيجة الحرب خسارة روسيا و انسحابها وتفكك إمبراطوريتها، وسقوط الحكم القيصري، وصعود الشيوعيين الذين خاضوا مغامرة ثانية في أفغانستان دامت عشر سنوات 1979- 1989، وكانت حربا دامية استنزفت قوة الإمبراطورية السوفيتية، التي كانت تعد قطبا معادلا لأمريكا في حكم العالم، و يشير كثير من الدارسين أن هذه الحرب الطويلة كانت سببا رئيسا في سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه.
الورطة الثالثة .. خطوة جديدة نحو الهاوية.

 بعد سقوط السوفييت عادت روسيا لاسمها القديم، وخسرت سيطرتها على كثير من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ودخلت في مرحلة جديدة، هي الانتقال من الاقتصاد الشيوعي إلى الاقتصاد المافيوي، حيث لا يستطيع أحد فهم الدورة الاقتصادية لهذه الدولة العملاقة، التي تتحكم بثلثي احتياطات الثروات الباطنية في العالم، ولكنها تبني اقتصادها على تجارة الأسلحة لمناطق النزاعات في العالم، وتبيع الثروات الباطنية، ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، بدأ الروس يظهرون اهتماما بقضايا الشرق الأوسط، محاولين أن يكونوا أصحاب قرار فاعل، وتجلى ذلك بدعمهم لمعمر القذافي بالسلاح والعتاد، ولكن القذافي سقط، ولم يقدم الروس لإنقاذه أكثر من عربات دفع رباعي مدرعة، وأسلحة وذخائر، وتركوه لمصيره المعلوم.

 ولكن الروس غيروا سياستهم الهشة في الثورة السورية، حيث وقفوا ضد الثورة مؤيدين للنظام، وصوتوا لصالح بشار الأسد عدة مرات في مجلس الأمن، وكان دعمهم الاقتصادي والعسكري والسياسي واضحا للعيان. حتى 29 أيلول 2015 حيث بدأ تدخل عسكري بالجنود والطيران دعما للنظام، فقامت الطائرات الروسية بقصف كامل المدن السورية بوحشية لا نظير لها و نفذت الطائرات الروسية 10013 غارة جوية، وقصفت المدن والبلدات السورية ب 9721 صاروخ، ورمت 1113 قنبلة عنقودية، أضف إلى ذلك 35 صاروخ كاليبر، ويقدر خبراء عسكريون أن هذه الأسلحة التي قصفت بها المدن السورية تعادل قنبلة ذرية، وأنه لم يتبق أمام الروس سوى استخدام القنبلة النووية.

وكانت حصيلة هذه الأسلحة تدمير هائل للمدن السورية وسقوط آلاف الشهداء من المدنيين، بينما استشهد على خطوط الجبهات 167 مقاتلا من مختلف فصائل الثوار.

التكلفة اليومية التقديرية للحرب الروسية على سوريا قدرت بنحو 5 مليون دولار يوميا أي أن تكلفة قتل كل مقاتل من مقاتلي الثورة كلف روسيا عشر مليون دولار.

الاستغاثة على وقع الورطة.

اتفق كيري ولافروف مؤخرا على خارطة طريق تجاه سوريا، وبعد عدة أيام طالب لافروف كيري بكشف مضمون هذا الاتفاق، ولكن الأمريكان رفضوا ذلك، وبدؤوا يحملون الروس مسؤولية ما حدث، لترتفع حدة اللهجة بين الطرفين، حيث حذرت وزارة الدفاع الروسية من أي مساس بجنودها في سوريا ، وقالت: إنها ستواصل قصفها هناك، وإنها على دراية بمواقع انتشار الخبراء الأميركيين في مناطق المعارك في سوريا، ردا على تصريحات كيري الذي قال: إنه من الصعب مواصلة المفاوضات مع روسيا، وأضاف أن الوقت حان للنظر في خيارات بديلة في الوقت الذي تزداد فيه الأمور الميدانية في سوريا استفحالا.

 اللهجة تزداد حدة مع أنتوني بلينكن نائب وزير الخارجية الأميركي، حيث قال: إن الرئيس باراك أوباما طلب من جميع الوكالات طرح خيارات بعضها مألوف جديد وبعضها، نعكف على مراجعتها بنشاط شديد.

 دخل الروس في الثقب الأسود، كما دخلوا في ثقب الحرب العالمية الأولى فانهارت الإمبراطورية، ثم دخلوا في ثقب أفغانستان، وكانت النتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي، واليوم يمارس بوتين استعراض قوة متوهما أنه عاد ليكون قطبا أساسيا في حكم العالم، ولكن صراخ لا فروف المستمر للأمريكان أن اكشفوا الاتفاق يظهر أن زعماء روسيا بنسختها المافيوفية في ورطة جديدة تهدد تفكك عصابتهم كون هذه النسخة الجديدة، تعاني أزمات اقتصادية، لأن اقتصادها قائم على بيع السلاح والمواقف السياسية، التي صارت سوقها كاسدة بعد نية الأمريكان إعادة رسم الخارطة من جديد، ومصارحة الروس بأنهم أداة تم استخدامها، وانتهت فانتازيا عودة روسيا العظمى مرة أخرى.